بقلم باسكال صوما
غادرت عينيه. لم توضّب حقائبَ لسفرها. لم تبكِ. لم تبتسم. لم تقل شيئاً. أخذت معها ما عليها. اكتفت بإلقاء نظرة خاطفة عليه، فيما كان يراقب الفراغ. فتحت الباب على مهلٍ. كمن يختلس رحيلاً، أو يسرق نفسه من وطن.
نزلت إلى الشارع وهي لا تعرف وجهةً أو مكاناً تركن فيه قدميها. أسندت ظهرها إلى عمود كهرباءٍ مطفأ. هناك قرّرت أن تبكي كلّ بكاء الدنيا. أن تنفجر مرّةً واحدة. أن تحزن بشراهة. لتتعلّم بعدها التأقلم مع القهر.
مرّ المارّون. البعض رماها بنظرات الشفقة، الشهوة، اللا مبالاة، اللا شيء. آخرون سألوها ما بها ثمّ هربوا. آخرون رموا نقوداً أو كلاماً وهاموا على وجوههم. أدركت حينها أنّ الناس مثلها، مرضى بجراحهم، مرضى بخوفهم ومللهم وسرعة مرور الوقت في ساعاتهم. أغلقت رأسها، قبل أن يحين المطر…
أخيراً غفت. طلع عليها شيءٌ من الصباح. افتقدت قهوتها. افتقدت وجهه. افتقدت الشرفة الخلفية من منزلهما. رائحة الفراش صباحاً. طعم الماء… كلّ شيءٍ مفقودٌ في هذا الصباح.
لكنّها لن تعود. ستعتاد. ستنسى. ستجد طريقةً تكمل بها حياتها.
جرّت قدميها إلى فرنٍ قريب. اشترت منقوشة وجريدة. الجريدة ليست للقراءة. ستجلس عليها قليلاً حتى لا يأكلها الدود والغبار. أكلت بشراهة ورمت الورقة أرضاً، كمن ينتقم من القانون، من المنطق، من الواجب والشرع.
النهار ما زال طويلاً. ماذا تفعل الآن؟
مشت. ثمّ مشت. مشت. ثمّ مشت.
وجدت نفسها في نهاية المطاف واقفة كصنمٍ أمام منزله. تقرع جرس الرجل الذي خانها. ترجوه بكلّ سذاجةٍ أن يفتح لها… لكنّه لم يفعل… كان ما زال منشغلاً بمراقبة الفراغ…
المصدر: choufijdid.com