لعل من سوء طالع المستوطنين الثلاثة، وبؤس مصيرهم، وشؤم نفوسهم، وحظهم العاثر، أن يخطفوا في الضفة الغربية، وألا يكون قدرهم في قطاع غزة، رغم أن الضفة الغربية تخضع بالكامل لسلطة الاحتلال، التي يجوب جيشها كافة مدنها وقراها، ويجوس خلالها حيث يشاء، ينصب الحواجز ويضع المتاريس، ويحاصر ويضيق، ويداهم ويعتدي، ويقتل ويعتقل، ويصادر ويخرب، ولا يجد صعوبة في حركة قطاعاته العسكرية المختلفة، الجنود المشاة، وسلاح الدبابات، بالإضافة إلى طائرات الأباتشي والطيارات بدون طيار، التي تقوم بأعمال المسح والرقابة والتجسس والتصوير والمتابعة والملاحقة.
على الرغم من السيطرة الإسرائيلية الشاملة، والحرية المطلقة التي يتمتع بها في الضفة الغربية، إلا أن هذا التفوق الكبير، والهيمنة المطلقة، والسيطرة الكاملة، لا تستطيع أن تجلب الحظ للمستوطنين الثلاثة، ولا تمنحهم فرصة أو بارقة أمل، ولا تجعلهم يطمئنون إلى أنهم قد يخرجون من أزمتهم أحياء، وأن خاتمة قضيتهم لن تكون بغير القتل.
وينتاب المختطفين وأسرهم شكٌ كبير، بأنهم سيستعيدون حريتهم من جديد، وسيلتقون بأهلهم وأصدقائهم، وسيعودون إلى مدرستهم الدينية، حيث كانوا يتلقون فيها تعليمهم، إذ واقع الحال في الضفة الغربية الذي يقلل من فرص الاختباء والاختفاء طويلاً، يفرض على الحكومة الإسرائيلية إما القبول بالتفاوض، أو أن تدوس بأقدامها كما الفيلة على صغارها فتقتلهم.
يعتقد كثيرٌ من الإسرائيليين أن حظ الشبان الثلاثة عاثر جداً، وأنهم سيلقون في نهاية المطاف مصيراً يشبه مصير الجنديين نسيم توليدانو وناحشون فاكسمان، اللذين وقعا أسرى في الضفة الغربية بأيدي رجال المقاومة الفلسطينية، ولكن الحكومات الإسرائيلية المتطرفة، وعنجهية قادة الجيش وقيادة الأركان، رفضت الاستجابة إلى مطالب الخاطفين، ولم تصغِ إلى المجموعتين الخاطفتين، وهما مختلفتين زماناً ومكاناً، وأصروا على إنقاذ الجنديين الأسيرين بقوة السلاح، وبالتفوق المعلوماتي والاستخباراتي، فكانت النتيجة المحتومة، أن الجنديين قتلا، ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من إنقاذ حياتهما، وقد كان بإمكانه مفاوضة الخاطفين، والنزول عند شروطهم، وضمان الحرية لجنوده.
لكن العقل الصهيوني المتطرف، الذي لا يفكر بغير الاعتداء، ولا يعتمد على غير القوة، ولا يقبل بمنطق الخضوع لقوة المقاومة الآسرة، قد يتكرر طيشه هذه المرة مع المستوطنين الثلاثة، الذين قد يلقون ذات المصير الذي لاقاه توليدانو وفاكسمان، إذ أن الأحداث تتكرر، والممارسة الصهيونية تتشابه، والعقلية العسكرية واحدة لا تتغير، فكما اجتاحوا مدن الضفة الغربية وقراها، وخربوها واعتقلوا المئات من أبنائها، ولم يصلوا إلى شئ، فإنهم اليوم يقومون بنفس الخطوات، ويطبقون ذات السياسة، ومع ذلك فلن يتمكنوا من الوصول إلى شئ، ولن يحصلوا على أي معلومة تريحهم أو تطمئنهم، وما زالوا عطشى لأي شئٍ يشعرهم بأن أبناءهم أحياء، أو يعرفهم على مكان وجودهم، أو الجهة والأشخاص الذين خططوا للعملية وقاموا بتنفيذها.
الإسرائيليون لا يتعلمون ولا يتعظون، ولا يستفيدون من التجارب، ولا يخضعون لنواميس الكون والحياة، إذ أنه خضع للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بعد ست سنواتٍ عجافٍ من المواجهة والتحدي، زادت المقاومة إصراراً، ودفعت الشعب نحو المزيد من الصبر والاحتمال، رغم عظم المعاناة، وشدة الكرب، وقسوة الضرب والقصف، إلا أن الشعب صبر على الأذى واحتمل البلاء، حتى تحقق الوعد بالحرية، وخرج ضمن صفقة وفاء الأحرار، بضع مئاتٍ من رجالات فلسطين وشموسها الأطهار، وعاد إثرها جنديهم الأسير جيلعاد شاليط إلى بيته وأسرته، لكن بعد أن يأس العدو من استنقاذه وإعادته بالقوة.
اليوم يجد الإسرائيلي نفسه بين خيارين اثنين لا ثالث لهما، فإما أن ينقذ مستوطنيه ويستعيدهم أحياءً، فيفاوض المقاومة لإخراج الأسرى الفلسطينيين ويبادلهم بمواطنيه، ويكف عن تكرار مقولاته بأنه لن يخضع لإبتزاز المقاومة، ولن يفاوضهم على شئ، مخافة أن تزداد عمليات الاختطاف، ويتشجع الفلسطينيون أكثر، لتنفيذ المزيد منها، وإكراهه على التنازل والخضوع، وإخراج الأسرى الفلسطينيين من سجونه.
أو أن يتخلى عن مقولة حماية مواطنيه، والدفاع عن شعبه، لأنه المسؤول عن اختطافهم أساساً، عندما يقوم بإذلال أسرانا وإهانتهم، ويصر على تعذيبهم والقسوة عليهم، ويحرمهم من حقوقهم وامتيازاتهم، ويمنعهم من الزيارة والتعليم والعلاج، ويطبق في حقهم سياسات العزل والإقصاء.
وهو المسؤول عنهم أيضاً في حال قتلهم، إذا عاند وكابر، وبغى وتغطرس، ورفض الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، ومضى في الإساءة إليهم والتنكيل بهم، واستمر في سياسة اعتقال المزيد.
فهو برفضه التفاوض على الأسرى، وإصراره التام على الحل العسكري، والمعالجة الأمنية، فإن مصير المستوطنين الثلاثة لن يختلف عن حال من سبقهم، إذ ستجبر الحكومة الإسرائيلية الخاطفين على قتلهم، والتخلص منهم، ولن تقبل أن تفرط فيهم، وتسلمهم إلى العدو أحياءً دون مقابل، فهذا أمرٌ لا يفرح به العدو، ولا يمني نفسه به، لأن الخاطفين يعلمون تماماً أنهم يتعاملون مع عدوٍ ماكر مخادعٍ، فليس إلا القوة ترغمه، والإرادة تذله، والسلاح الأمضى يخضعه ويوجعه.
يخطئ الإسرائيليون عندما يظنون أن أماً فلسطينية ستنسى ولدها الأسير، أو أن أباً سيتخلى عن ابنه، ولن يبذل غاية جهده لتحريره واستعادته، أو أن ولداً سيترك أباه رهين السجن، ونزيل المعتقل، دون أن يبذل روحه فداءاً لأبيه، وثمناً لإنقاذه من غياهب السجون والمعتقلات.
لذا فلن ييأس الفلسطينيون من محاولة الخطف، ومساعي الأسر، حتى يخرج آخر معتقلٍ من السجون الإسرائيلية، وما على العدو إلا أن يخضع ويصغي، ويستجيب ويقبل، وإلا فإنه سيكون سبباً في قتل المزيد من جنوده ومستوطنيه، وسيعرض حياتهم لمزيدٍ من خطر القتل والأسر من جديد.