السؤال الذي طُرح داخل الأروقة السياسية أخيراً يتمحور حول الآتي: هل الاستحقاقات الدستورية هي إلزامية أم انتقائية؟ وكيف يحق لأحدهم تعطيل استحقاق والدعوة لآخر؟ وهل الذهاب إلى الانتخابات يشكل رضوخاً وتسليماً للمنطق التعطيلي والانتقائي؟ وألا يفسر رفض النيابية تهرّباً من المواجهة الشعبية؟
المهل الدستورية المتصلة بالانتخابات النيابية من هيئة الإشراف إلى دعوة الهيئات الناخبة وصولاً إلى إقرار قانون جديد وإجراء الانتخابات بحدّ ذاتها بدأت تطرق الأبواب، وأصبح لزاماً على قوى 14 آذار أن تتخذ موقفاً واضحاً وعلنياً من هذه الانتخابات وفي أسرع وقت ممكن، قطعاً للطريق أمام محاولات المزايدة والاستغلال، وجرّها إلى موقع رد الفعل كما كان يحصل في استحقاقات سابقة.فالمطلوب بهذا المعنى موقفاً من طبيعة سياسية لا دستورية، أيْ عدم ربط أولوية الرئاسة على النيابة بالتعقيدات التي يمكن أن تنشأ عن الانتخابات في ظلّ عدم وجود رئيس للجمهورية، وتحديداً لجهة مَن يجري الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة؟ وكيف يمكن حلّ إشكالية أنّ رئيس الجمهورية «يصدر تسميةَ رئيس مجلس الوزراء منفرداً»، أو أنه «يُصدر منفرداً المراسيم بقبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة»؟
فعلى أهمية التعقيدات الدستورية التي لا بدّ في نهاية المطاف من التوافق على مخارج حولها، إلّا أنّ القضية المطروحة هي سياسية بامتياز وتتطلب أجوبة سياسية بعيداً من أيّ ذرائع دستورية، وهذه الأجوبة لا تخرج عن سياق احتمالين لا ثالث لهما: الذهاب إلى الانتخابات إعداداً وتحضيراً وتجييشاً وتأكيداً على أنّ الموعد أهم من القانون، بغية وضع الكرة في ملعب الفريق الآخر الذي من الواضح أنّ الأسباب التي دفعت قسماً منه إلى التمديد ما زالت نفسها، أو التمسك بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية من باب أنّ الاستحقاقات الدستورية ليست «menu a la carte» يختار منها كلّ فريق ما يناسبه وينسجم مع مصالحه.
ومن ثم مَن قال إنّ نجاح العماد ميشال عون افتراضاً في اكتساح النتائج النيابية سيضمن فوزه الرئاسي، خصوصاً أنّ لكل استحقاق آلياته ونظمه؟ وهل يستطيع أن يضمن اساساً تحقيق النتيجة نفسها للعام 2009 في ظلّ تحميله مسؤولية الفراغ ووقوف بكركي واليرزة ضده والتقلب في مواقفه السياسية؟ وهل الاستفتاء الرئاسي مسيحياً، يكونُ عبر انتخابات نيابية العامل الحاسم بترجيح فوزه فيها عائد لـ»حزب الله»، من جزين إلى بعبدا وصولاً إلى جبيل وحتى كسروان؟
ومن الواضح أنّ العماد عون يريد استخدام الأسلحة المتوفرة اليوم أمامه لخلط الأوراق الرئاسية، خصوصاً بعد أن أكدت المعطيات الحالية استحالةَ انتخابه، وبالتالي في ظلّ غياب أيّ عامل يمكن أن يبدّل في هذه المعطيات، يأمل عون أن تساهم الانتخابات أو التهويل بها في رفع حظوظ وصوله، إن عن طريق مقايضة «حزب الله» باستعداده التراجع عن النيابية مقابل ممارسة الحزب ضغوطه لانتخابه رئيساً، أو الرهان بأن تفتح الانتخابات فرصاً جديدة أمامه.
ولا شك أنّ عون يوجّه عبر تصميمه على الانتخابات النيابية رسالةً مباشرة إلى «حزب الله» بتخييره بين دعم خياره النيابي وبين دعم خياره الرئاسي، وهو يتكّئ على رفض الحزب السير بالنيابية، كما هو متوقع، ربطاً بالأزمة السورية وأخيراً العراقية، بغيةَ أن يدعم وصوله إلى بعبدا، معتقداً أنّ الحزب الذي يواجه مشروعه الإقليمي تحدياً وجودياً لا يحتمل مخاصمته وخسارة الغطاء المسيحي، ولذلك سيضغط على النائب وليد جنبلاط لانتخابه.
ولكن بمعزل عن حسابات عون، وهي من حقه، على قوى 14 آذار ألّا تظهر مرتبكة أمام الاستحقاق النيابي الذي يستغلّه رئيس التيار العوني ويستخدمه، وألّا تُنقل الأزمة الموجودة أساساً داخل 8 آذار إلى داخل مكوّنات الحركة الاستقلالية، وأن تعتمد سريعاً خطةَ مواجهة وطنية-سياسية-شعبية، فإمّا خوض الانتخابات ببرنامج وعناوين وشعارات واضحة، خصوصاً أنّ حظوظ فوزها وتحقيقها خروقات نوعية في كسروان والمتن متوافرة، أو التصدي لهذه المحاولة التي لن تقدّم ولن تؤخّر رئاسياً وكل الهدف منها الابتزاز السياسي أو المساهمة بالمزيد من الفوضى السياسية، فضلاً عن أنّ البلاد لا تُدار على خلفية المزايدات وردات الفعل والانجرار وراءَ أهواء هذا الطرف أو ذاك، كما ضرورة التشديد على أولوية الانتخابات الرئاسية التي يُفترض أن يشكل الاستحقاق النيابي مناسبة إضافية للضغط، بغية إتمام الرئاسية وتحميل مسؤولية التمديد مجدّداً للطرف الذي عرقل وما يزال الاستحقاق الرئاسي.
فبعد أن نجحت قوى 14 آذار بتحميل قوى 8 آذار مسؤوليةَ الفراغ الرئاسي، كما جَعْل العماد عون في موقع المتهَم لا المتهِم، يجب أن تواصل تسجيل النقاط عبر قطع الطريق أمام تصوير موقفها من الانتخابات النيابية، في حال رفض إتمامها، وكأنه هروب من المواجهة، ولا سيما أنها في الموقع الأقوى سياسياً والأفضل شعبياً، والطرف المربك من هذه الانتخابات هو 8 آذار، ولذلك يجب أن تسرع باتخاذ الموقف المناسب وطنياً إن بإتمام الانتخابات أو عدمها ووضع الطرف الآخر في قفص الاتهام.