توقفت الأوساط السياسية والديبلوماسية طويلاً عند كلام رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية مرات عدة هذا الاسبوع من أنه «لن ينتخب رئيساً للبنان لا ترضى عنه سوريا».
وعلى رغم معرفة الجميع بالعلاقة الوثيقة الموروثة بين فرنجية وعائلة الاسد، ورفضه التنكر لهذه العلاقة في أصعب الظروف، فإنّ اللافت في كلامه الجديد هو إصراره على هذه المقولة التي ظنّ كثيرون أنها لم تعد واردة في ظلّ ما تشهده سوريا من أحداث دامية.ولعلّ ما زاد استغراب هذه الاوساط لكلام فرنجية هو أنه جاء بعد التطورات العراقية الاخيرة، والتي اعتبر كثيرون أنها تصبّ في غير مصلحة النظام في سوريا، وأنها ستوفر دعماً كبيراً لخصومه الارهابيين وغير الارهابيين، المحليين والاقليميين والدوليين.
لكنّ التدقيق في كلام فرنجية والابتعاد عن القراءة السطحية له، يفتحان الآفاق لرؤية جديدة لمسار الاوضاع في المنطقة والعالم. فهذا الكلام ينطلق، حسب مراقبين، من أنّ دول المنطقة كلها، كما دول العالم، تتجه الى اصطفاف اقليمي وعالمي جديد شعاره «الحرب على الارهاب»، وأنّ كلّ ما جرى خلال الاشهر القليلة الماضية كان تمهيداً لولادة لحظة اقليمية ودولية جديدة يتقارب فيها متباعدون ويأتلف في ظلها خصوم، ويشبّه البعض الحرب على الارهاب بالحرب ضدّ النازية، مثلاً حين تحالفت الرأسمالية العالمية مع الشيوعية العالمية لمحاربة خطر النازية بعدما كانت هاتان المنظومتان تخوضان حربَ وجود بينهما منذ إنتصار الثورة البولشيفية بقيادة فلاديمير لينين عام 1917.
ففي استراتيجية الحرب على الارهاب نستطيع أن نتوقع لقاءً إيرانياً ـ سعودياً مثلاً، وروسياً ـ سعودياً في الوقت نفسه، وصولاً الى بناء جسور بين الرياض ودمشق. وفي ظل مكافحة الارهاب هذه بات ممكناً أن نسمع اقذع الكلام للرئيس الاميركي باراك أوباما في حق المعارضة السورية معلناً عجزها عن إسقاط الرئيس بشار الاسد.
وفي ظلّ هذه الحرب نستطيع ايضاً أن نقرأ إلغاء مجلس الدوما الروسي التفويض الذي منحه للرئيس فلاديمير بوتين باستخدام قواته في شرق أوكرانيا وجنوبها. وفي ظلّ هذه الحرب أيضاً وأيضاً، نستطيع ان نقرأ سياسة اليد الممدودة التي أعلنها رئيس أوكرانيا المنتخَب أخيراً بترو بوروشينكو من أجل التفاهم مع الجميع لإنقاذ بلاده.
وأيضاً في ظلّ استراتيجية الحرب على الارهاب هذه، نستطيع أن نقرأ جولة وزير الخارجية الاميركي جون كيري في عواصم المنطقة كلها وصولاً الى الرئيس سعد الحريري في باريس في مبادرة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تندرج في إطار استراتيجية توحيد الجهود لمكافحة الارهاب، وهو ما يفسَّر ايضاً إدانة الحريري العاجلة لانتحاريَي الروشة وتبرئة الاسلام من فعلتهما.
كذلك يمكن أن نقرأ ايضاً بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي أذاعه الديوان الملكي السعودي والذي يعلن ما يشبه التعبئة العامة ضدّ المنظمات الارهابية في بلاده.
وفي ظلّ هذه الاستراتيجية ايضاً يمكننا أن نرى طائراتٍ أميركية من دون طيار تحلّق في سماء بغداد في الوقت الذي يُعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن قصف جوي سوري لمواقع تنظيم «داعش» في منطقتَي «القائم» و»تلّعفر» العراقيتين.
فيما يعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لاوفروف عن إرسال طائرات «سوخوي» الى بغداد التي تنتظر في الوقت نفسه عودة الطائرات العراقية المحتجَزة في طهران منذ عام 1995 حين أرسلها الرئيس العراقي السابق صدام حسين الى ايران لكي لا تدمرها غارات الطائرات الاطلسية على القواعد الجوية والمطارات العراقية يومذاك.
ويقول المراقبون في هذا السياق إنه إذا كانت كل هذه القوى تتلاقى اليوم في الجوّ فمَن الذي يمنع تلاقيها على الارض أيضاً؟ أمور كثيرة يمكن أن يقرأها المراقب حالياً وتشير الى اصطفافات جديدة في المنطقة تتجاوز نزاعات سياسية وعسكرية موجودة.
وفي ظلّ هذه الاصطفافات يرى أصدقاء دمشق أنّ العاصمة السورية ستكون في قلب هذه التحوّلات، ليس لأنّ تحليلاتها وتحذيراتها من انتشار الارهاب في المنطقة كلها سببها النيران السورية الملتهبة قد باتت اليوم أمراً مسلّماً به لدى الجميع، بل أيضاً، وبنحوٍ خاص، لأنّ الجيش السوري وخلفه الدولة السورية، قد اثبتا قدرةً استثنائية في مواجهة الارهاب الذي عجزت عن مواجهته كبريات الدول.
ومن هنا، وفي ضوء هذه المعطيات تحدّث فرنجية عن رئيس للبنان ترضى عنه دمشق، مسقطاً بهذا الكلام كلّ التحليلات التي راهنت منذ ثلاث سنوات على سقوط الدور السوري في لبنان.