- نهلا ناصر الدين
"مين قال إنّو بلبنان ما في شي بيبسط، إذا ربح فريقك بتنبسط، وإذا خسر فريق رفيقك بتنبسط، وإذا ربح عدوّ جارك كمان بتنبسط...".
كثيرةٌ هي الضحكات التي يتقاسمها اللبنانيون في مثل هكذا مناسبة، إنه الاستحقاق الكروي والذي سرق الأضواء من الاستحقاق الرئاسي.
فما أجمل التناحر السياسي بين مشجعي الفريق البرازيلي ومشجعي الفريق الألماني أمام التناحر السياسي بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، وما أجمل هذه الأعلام المرفوعة في الشوارع وعلى شرفات المنازل والسيارات والدراجات النارية والمقاهي مقابل أعلام الأحزاب السياسية، وما أجمل المفرقعات النارية التي تملأ الفضاء اللبناني بعد كل مباراة بالمقارنة مع تلك التي تلوّث أسماعنا بعد خطابات التحريض الطائفي من زعماء لبنان...
هبَل...أم نافذة للفرح
تختلف نظرة اللبنانيين الذي تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة، تقريباً، إلى المونديال عن نظرة الشباب والأطفال له. فلم يرحّب الحاج "أبو فؤاد" بهذه التصرفات المبالغ فيها، على حدّ قوله، واصفاً ما يجتاح الشارع اللبناني من تزيين وتهليل "بالهبَل" في ظل ما يشهده لبنان من تمزّق وفراغ. فلم يستطِع المونديال أن يُخرجه من عُتمة الجو السياسي إلى أضواء الملاعب البرازيلية، على عكس شباب لبنان الذين وجدوا في المونديال نافذةً ذهبية للترويح عن أنفسهم من ضغط الجوّ اللبناني الذي وصل الى حدّ الاختناق في الفترة الأخيرة.
لو كل سنة في مونديال
"لو كل سنة يقام مونديال" ، هذه حال لسان المطاعم والمقاهي في لبنان بشكل عام، الصغيرة منها والكبيرة، البسيطة منها والراقية. فكلفة الشاشات العملاقة والديكورات الخاصة، يقول صاحب أحد المقاهي في بيروت: "طلّعنا كلفة الديكورات بمباراة الافتتاح، وزادت نسبة الإقبال على الكافيه 200%، وهذا حسب المباريات بالتأكيد، والأرباح زادت أقلّها 40% عمّا قبل".
كما حرص أصحاب المقاهي على ترتيب عمليات الحجز المسبق لتفادي الزحمة والإحراج مع الزبائن.
وكذلك حال محال الألعاب والهدايا، التي استبدلت زينة واجهاتها بأعلام أهم الفرق المشاركة في المونديال، وركزت على إبراز كل ما يتعلق بسياسة "التزريك" من "كاسكيت وأساور، ونظارات وأكواب عصير...الخ من الإكسسوارات والاختراعات التي لا تنتهي، والتي صُممت بشعارات وألوان من وحي المونديال، وبالطبع لها أسعارها الخاصة والمرتفعة نسبياً عن مثيلاتها التقليدية. ولكن حسبما يقول صاحب أحد المحال التجارية: "لا يبخل الأب على طفله بشراء ما يفي من الاختراعات التي تواكب المنافسة والتزريك مهما كان سعرها مرتفعاً، بما أنها مناسبة تأتي كل أربع سنوات مرّة". ويعلّق صاحب المحلّ أيضاً: "البيع تحرّك بنسبة 60 % تقريباً".
إنعاش...ولكن محدود
قد قام المونديال في لبنان بعمل أجهزة الإنعاش التي تعيد القلب للحياة بعد أن يكون قد توقّف لفترة عن العمل، فبعد سنين من الجمود الاقتصادي الذي فرضته الأوضاع الأمنية المتوترة، عاد الاقتصاد اللبناني للعمل، ولكن بشكلٍ محدود.
ويؤكّد لنا مدير تحرير الصفحة الاقتصادية في جريدة السفير الخبير الاقتصادي "عدنان الحاج" أن المونديال ساهم في تحريك السياحة الداخلية من خلال الحضور الجماعي للمباريات في المقاهي، وكذلك بعض التجارات الخاصة بصناعة الأعلام وكل ما يختص بالمونديال. وعلى عكس السنوات الماضية قام بتحريك الاقتصاد اللبناني ولكن بشكل محدود، وذلك بسبب الظرف الأمني الضاغط على البلد، ولأن اللبناني يُنفق بحذر كبير بسبب الوضع المعيشي التعيس والضاغط بخاصة على أصحاب الدخل المحدود.
نعم هذه هي حمّى المونديال التي ضربت لبنان مؤخراً، فوائدها أكثر من أضرارها، إنها حمّى الشفاء الموقت الذي سيعود من بعدها الجمود إلى ما كان عليه من قبل.
فلا تتذمروا من هؤلاء الذين يملؤون الشوارع ضجيجاً وتهليلاً بعد كل مباراة، فهم بحاجة ماسّة لهذا الشيء، وأنتم كذلك، لتخرجوا قليلاً من أجواء التشرذم الضاغط في لبنان "وكلّو شهر وبيمرق...". المصدر: جريدة البلد