عندما تحدثت نُخب سلطوية عن وجود لهلال شيعي تُنوّره ايران تماشياً مع سعيها القائم على نقل حدودها الى خارج الاقليم الفارسي لكسب الدولة قوّة الفعل المؤثر في عالم تحكمه موازين القوّة . كانت ردود الأفعال على القائلين من الملك الأردني الى مراكز دراسات عربية استراتيجية مستنكرة لتهمة مهمتها ادانة ايران وتخويف دول وشعوب المنطقة من غزوة ايرانية مهددة لمصالح الجميع . لم تكن آنذاك أحداث سورية قائمة وموجودة ولم يكن العراق بهذه الحرارة النارية المشتعلة بكبريت مذهبي حارق لكل شيء عراقي ولم يكن التحكم الايراني علني كما أعلن وكشف سليماني أكثر من مرّة عن دور وحدود وتأثير ايران في العالمين العربي والاسلامي . كانت التصريحات المسؤولة تبعث عن رسائل قرات بطريقة استفزازية ولدواعي سياسية متصلة بحسابات عربية ترى في ايران مشكلة حقيقية كونها تبسط نفوذها على عالم عربي يأبى سيطرة الفرس عليه . من هنا جاءت مجريات التطورات التي أحدثتها الثورات العربية مطابقة تماماً للتنبؤات الملك والحكّام العرب بحيث استثارت ايران غضباً من ربيعها واعتبرت أن ثمّة شرق أوسطي جديد يتركّب على سطح استراتيجي لا مكان للدولة الايرانية عليه بل سيعطّل دورها التأثيري داخل دول الهلال وداخل سوق الصراع مع اسرائيل من خلال بُعد وابتعاد عن حركة المقاومة حماس عنها والتصاقها ببيئتها العربية والانخراط الفعلي في مشاريع الثورات العربية التي أتاحت لحماس حضانة اخوانية من مصر الى تونس .
كان الربيع السوري أسود بالنسبة لايران لذلك خاضت معركتها من هناك ضدّ سياسات الثورات العربية والتحوّلات المهددة لمصالحها الحيوية وخاصة في موقع سوري متحكم ومؤثرة بسياسات دول حدودية ومجاورة. هذه المعركة أظهرت فعليّاً أن هناك هلال شيعي وأعطت الشعارات المذهبية المرفوعة في سورية والعراق ولبنان شهادة فعليّة عن تكوّن هلال أسمته الدول المصطرعة مع ايران هلالاً شيعيّاً في حين أعتبرته ايران محاوراً للمقاومة والممانعة ضدّ دول السلام مع اسرائيل ومن ثمّ دول التواصل مع الارهاب باعتبارها المموّل الحقيقي لجماعات التكفير في سورية والعراق ولبنان .هذا التظهير للهلال الشيعي من خلال مشاهد طائفية ومذهبية أسهم في توفير مُقتضى للقائلين به ودفع الى المساهمة في تكوين سريع لهلال سُني محكوم بسواد دامس أي بكسوف قمري جعل من بلاد الهلاليين جهنماً مستعراً بنار الأحقاد التاريخية وأفضى الى صراع مذهبي قائم أين ما وجد مسلمون منتمون للطائفتين بحيث أن أيّ خلاف داخل أيّ بلد يأخذ صفته المذهبية وبعده المذهبي الى حد استفاق به التشيع على ثأرية جديدة وبرز فيه أهل السنة والجماعة على ضرورة الضرب مجدداً للروافض بقطع الرؤوس والأرجل من خلاف عملاً بسُنة السلف الصالح . ان ما يجري في العراق وسورية على وجه الخصوص ينبأ عن وجود ثورة سنية أيقظها القائلون بهلال الشيعي من ملوك وحكّام وفقهاء حرّضوا على ولادة هلال يقطر دماً لبعث استقرار جديد لنُظمهم ومصالحهم بعد أن سقطت الشعارات التي استخدموها لصالح استقرارهم السلطوي وهي بحاجة ملحة لشعارات أخرى تفضي الى نفس النتائج لأن سبل التغيير في العالم المستبد ستصل وان تأخرت عنهم بعض الشيء.