تعيش ليبيا اشد الانقسامات الداخلية بين مختلق المكونات الشعبية المعقدة التي تتميز بها هذه الدولة وخاصة بعد تحديد الانتخابات البرلمانية الليبية في 20يوليو\حزيران الحالي، و الهدف من هذه العملية هو الاطاحة بالمؤتمر العام الذي ادخل ليبيا وشعبها بخلافات داخلية لا تحمد عقبها .
لكن لابد من الاشارة الى ان ليبيا تعيش حالة من الانقسام الذي فرضته عليها الثورة في 17 فبراير 2011 ،والتي ادت الى انهيار نظام العائلة السابقة وسيطرة القوى المتشددة والمتطرفة على مفاصل الحياة في المناطق المتنازع عليها و فرض نوع من الانقسام الداخلي للمناطق التي ترفض العيش في كنف دولة قوية وجديدة .
لقد فشل المؤتمر الوطني المنتخب والذي انتهت صلاحيته بنقل البلد نحو الديمقراطية والتوافقية وسيطرة السلاح والقوى المسلحة على القرار والتعيينات الادارية تحت تاثير التجذبات الداخلية التي فرضت نفسها بفرض غياب العملية الديمقراطية في البلاد .
فالقوة العسكرية والاستعراضات التشكيلية للكتائب المسلحة حالت دون التوصل بين القوى والمكونات الى انجاز العملية الدستورية وإقرارها بطريقة قانونية. فالقوى المتشددة ساهمت بفشل العملية الديمقراطية من خلال القبض على المجلس الانتقالي الذي انتهت صلاحيته والممدد له بقوة السلاح ،فالفشل الذي مارسته هذه القوى في عدم اجرى انتخابات ديمقراطية حرة وعدم التوصل الى اقرار دستور وطني شامل للبلاد وكذلك عملية اجتثاث الجيش الوطني والشخصيات السياسية وعزل رئيس الحكومة علي زيدان بواسطة السلاح بطريقة انقلابية وهذا ادى الى تفاقم الوضع السياسي والامني في البلاد وخاصة عمليات التصفية الجسدية التي يتعرض لها ضباط الجيش الوطني السابق وعدم تامين الحماية الكاملة لهم ادت الى انتفاضة عسكرية حمل رايتها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حملة عسكرية اطلق عليها حملة الكرامة ضد الارهاب الذي يسيطر على البلاد .
لقد وصف كثيرون الجنرال خليفة حفتر بـ "سيسي ليبيا"، في إشارة إلى أن "الجماهيرية العظمى" سابقاً، تسير في خطى مصر ما بعد الثلاثين من يونيو ... هؤلاء وجدوا في "القصة والسيناريو والإخراج"، العديد من عناصر التشابه والمشتركات، حتى أن حفتر نفسه، اعتبر تظاهرات طرابلس وبنغازي "تفويضاَ شعبياً" له بمحاربة الإرهاب، مستعيراً كلمات المشير عبد الفتاح السيسي في الثامن عشر من يوليو، بحرفيتها تماماً.
في البحث عن المشتركات ما بين التجربتين الليبية والمصرية، يتوقف المبشرون بسيناريو مصري لليبيا، عند "الخلفية العسكرية" لكل من حفتر والسيسي، واستناد كل منهما إلى مؤسسة عسكرية وجيش نظامي، أو بعضاً منه، كما في الحالة الليبية ... كما يتوقفون عن كراهية الجنرالين للإخوان المسلمين، واعتبارهم "الجماعة" تهديداً لأمن البلاد والعباد، وسعيهما الدؤوب لتحجيمها أو استئصالها إن وجدا إلى ذلك سبيلا ... كما يرون في دعم دول خليجية لكل من الجنرالين، إشارة أخرى كاشفة عن أوجه الشبه بين التجربتين، يرجحون من خلالها، فرضية سير ليبيا على خطى مصر، وحفتر على خطى السيسي.
وفي محاولة للمقارنة بين مصر وليبيا نرى بان القذافي ترك ليبيا، خراباً ، لا أحزاب ولا مؤسسات مجتمع مدني، لا جهاز قضائي ولا نقابات مهنية وعمالية ... لا حركة ثقافية ولا حركة نسوية، وبالتأكيد لم يكن لشباب ليبيا في عهد القذافي الطويل أي دور يتخطى حدود ما يسمح به سيف الإسلام والساعدي وهانيبعل وعائشة القذافي ... القذافي ترك ليبيا، بعد أن تقسّم جيشها، واحترب فيما بينه، وبعد أن فتحت أبواب مستودعات سلاحه الخفيف والثقيل، لكل من هبّ ودبّ ... القذافي "كان هو الدولة والدولة هي القذافي"، فلا أجهزة ولا إدارات ولا وزارات ولا مؤسسات .... مصر ما بعد مبارك، لم تكن كذلك أبداً.
بينما في مصر، حافظت مؤسسات الدولة على تماسكها ووجودها ... لم تسقط أي منها ربما باستثناء جهاز الشرطة والداخلية الذي تعرض لأبشع عمليات التفكيك والانهيار والضعف في الأداء والاتهامية بممارسة العنف المفرط ضد المواطنين ...
لقد سيطر الخلاف والانقسام على ليبيا وربما ستدخل في حالة جديدة من الصوملة او الافغنة بسبب تركيبتها القبيلة والقومية والطبقية وحال الانتقام التي باتت تفرض نفسها على المجتمع الليبي المفكك .
لن يستطيع حفتر حسم المعركة في ليبيا اذا لم يكن تدخل اقليمي ودولي تساعده على الحسم والسيطرة ومنع انزلاق البلاد الى اتون الصراع الدموي .لكن الغرب الذي يريد حسم المعركة ومساعدة حفتر لا يريد اليوم وفي هذا الوقت بالذات كي لا تؤثر ليبيا على مناطق الجوار بظل الازمات التي تعيشها دول الجوار الافريقي في مالي والنيجر والسودان والجزائر والتي لم تتمكن هذه الدول من حسم معركتها مع التطرف التي بات يهدد القارة الافريقية ،لذلك نرى الغرب غير متحمس حاليا لبدأ بفتح معركة جديدة نظرا للعديد من الحسابات التي توجل التفكير بإنهاء المعركة والدخول في عملية مرحلية بترتيب البيت الليبي على اساس تقاسم المغانم ما بين المتطرفين والإسلاميين والجيش والقوى الليبرالية المساندة له .
وربما قد نبدأ نشاهد حلولا في الافق بزواج متعة جديد بين الاسلاميين والجيش قد يمهد الغرب لعقده خوفا من عدم المقدرة على الحسم ،انتشار القوى الارهابية في مناطق الجوار وبالتالي حالة من تدفق الهجرة الافريقة نحو اوروبا تقوم باستغلالها قوى ومافيات عالمية بالإضافة الى تعطيل تصدير النفط الليبي نحو الاسواق المتعطشة لاستخدامه نظرا لما يتمتع به هذا النفط من مميزات خاصة .
وفي ضوء هذه الاختلافات والتمايزات، تبدو ليبيا قريبة ظاهرياً من السيناريو المصري، ولكنه قرب "ظاهري" فحسب، أما في حقيقة الأمر، فإن ليبيا تبدو أقرب إلى السيناريو السوري منها إلى السيناريو المصري ... سوريا التي دخلت منذ أكثر من شهرين العام الرابع من حربها الأهلية وحروب الآخرين عليها، مرشحة للبقاء في عنق زجاجة الأزمة، لعدة سنوات قادمة ... وفي ظني أن حال ليبيا سيكون على هذا المنوال، ومن يعش يرى.
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث اعلامي مختص بالإعلام السياسي والعلاقات الدولية