إذا كان القادة على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم مخلصين حقاً للبنان ويهمهم إخراجه من دائرة الخطر التي تحيط به من كل جهة، فما عليهم سوى النزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس من بين المرشحين المعلنين وغير المعلنين، كي لا يظل لبنان مكشوف الرأس وتتصارع رؤوس على حكمه، ولا ينتظرون رضا رئيس هذه الدولة أو تلك تأكيداً لإيمانهم بمقولة "وطني دائماً على حق"، وان دعوتهم الى التضامن والتكاتف لمواجهة الأخطار لا تكفي بل ينبغي أن تترجم بانتخاب رئيس يجمع ولا يفرق. وإذا تعذّر توصل القادة الى اتفاق على اختيار هذا الرئيس فلا ينبغي ان يظل عدم الاتفاق سبباً لتعطيل جلسات الانتخاب واستمرار الشغور في أعلى منصب في الدولة.
ولا بد هنا من تذكير بعض نواب اليوم بوطنية نواب الأمس وحرصهم على انتخاب رئيس الجمهورية كواجب وطني مقدس. يقول النائب السابق ادمون رزق في حديث الى مجلة الامن العام: "يوم انتخاب الرئيس الياس سركيس بادرت الى القول: يجب الذهاب الى المجلس لتأمين النصاب الذي لن يتوافر في غياب نواب الكتائب. وفي الطريق الى "فيلا منصور" المقر الموقت لمجلس النواب، التقينا نواب حزب الوطنيين الاحرار وآخرين في مكتب قائد الدرك العميد جورج معلوف الذي شرح لنا خطورة الوضع الامني وكثافة اطلاق النار والقنص. قلت: سأتوجه الى قصر منصور على رغم أعمال القصف والنار. وعلينا أن ننتخب رئيساً للجمهورية والا فان البلد يخرب والدولة تنهار، وما المشكلة اذا سقط احد النواب شهيداً.
وكان التقليد المعمول به الانتظار ثلاثة ارباع الساعة بعد الموعد المحدد للجلسة. فقلت بوجوب الانتظار والبقاء في المجلس الى ما شاء الله، وجرى انتخاب الرئيس سركيس على وقع القذائف واطلاق الرصاص، وكانت مصلحة لبنان من ثوابت النواب".
وفي انتخاب الرئيس بشير الجميل يقول رزق ان الوضع "كان صعباً وكان الهم ينصب على مستقبل الجمهورية وليس الرئاسة، وكان الرئيس كامل الاسعد "طاحشاً" في عقد الجلسة على رغم ألحاح الرئيس حافظ الاسد على عدم عقدها"، فلم يوافقه وأعطى بشير الشرعية الاقتراعية والميثاقية لأحد الزعماء المسلمين الكبار والناخبين الكبار. وبصعوبة اكتمل النصاب وانتخب الشيخ بشير رئيساً للجمهورية".
هذا ما كان يحصل بالامس لأن النواب كانوا يعتبرون حضور جلسات انتخاب رئيس للجمهورية واجباً وطنياً مقدساً والتزاماً بأحكام الدستور وتطبيقاً للنظام الديموقراطي لا كما ينظر الى ذلك عدد من نواب قوى 8 آذار اليوم وكأن انتخاب رئيس الجمهورية هو لزوم ما لا يلزم، والدستور وجهة نظر، والديموقراطية لم تعد تصلح للبنان في ظل الطائفية بل تصلح له بدعة "الديموقراطية التوافقية"، بحيث بات تشكيل الحكومة يحتاج الى توافق، واقرار قانون الانتخاب الى توافق، وانتخاب رئيس الجمهورية الى توافق. لكن اعتماد هذه الديموقراطية الجديدة يحتاج الى توافق ايضاً على المواضيع التي تحتاج الى توافق لا أن يظل تحديدها انتقائياً واستنسابياً وبحسب مصلحة كل طرف، كما حددت المادة 65 من الدستور، 14 موضوعاً يحتاج اقرارها الى توافق واذا تعذر ذلك فان اقرارها يحتاج الى موافقة ثلثي عدد الوزراء. وهذا يطرح سؤالاً مهماً: ما العمل اذا تعذر التوافق على تشكيل حكومة وعلى قانون انتخاب وعلى انتخاب رئيس للجمهورية، هل يعرض الامر على مجلس الوزراء او على مجلس النواب لاقرار ذلك بأكثرية الثلثين او اكثر او بالاكثرية المطلقة؟
وماذا بالنسبة الى مواضع مهمة مثل سلاح "حزب الله" هل يحتاج القبول به الى توافق ام لا، وقرار الدخول في حرب مع اسرائيل وفي حرب في سوريا، هل يحتاج الى توافق ام لا؟ واذا تعذر التوافق فأي اكثرية ينبغي تأمينها للموافقة كي لا يظل التوافق شرطاً يرفعه طرف في وجه طرف آخر كما يفعل "حزب الله" في انتخاب رئيس الجمهورية فلا يسمي مرشحاً تنطبق عليه هذه الصفة ولا يذهب الى مجلس النواب ويقترع لهذا المرشح او ذاك ممن يحملون هذه الصفة الا اذا كان الحزب ومن معه لا يريدون انتخاب رئيس ليصبح الفراغ الشامل هو الباب الذي تدخل منه الفوضى وتسير بالبلاد نحو المجهول؟
الواقع ان انقاذ لبنان وحمايته مما يجري حوله يتوقف على قرار وطني جريء يتخذه "حزب الله" ويبدأ بانسحابه من سوريا كي لا يصير الرد على استمرار تدخله اغتيالات وسيارات مفخخة في لبنان.