الرئيس نبيه بري في خطر حقيقي. هذا ما استشعره المحيطون به. فقد ربط مقربون منه التفجير الذي وقع أمس في ضهر البيدر بالمعلومات التي وصلت إليه عن مخطط يهدف إلى اغتياله. ولم يستبعد هؤلاء أن «تلجأ الجهات المخططة إلى تنفيذ عمليات كنوع من التمويه، لإلهاء القوى الأمنية عن الهدف الأساسي وهو الرئيس برّي»
ليست هي المرة الأولى التي يُطلب فيها إلى حركة أمل إرجاء مؤتمر لها. منذ عام 2005، تجد الحركة نفسها مجبورة على تجميد نشاطاتها، كجزء من الإجراءات الوقائية التي تتخذها تحسباً لأي عمل أمني يستهدفها. هكذا حصل مع مهرجان الإمام موسى الصدر العام الماضي، وكذلك المؤتمر العام لها. كل ذلك، يأتي نتيجة للتهديدات والتقارير الأمنية الدورية التي تصل إلى عين التينة، ومفادها أن الرئيس نبيه برّي في دائرة الاستهداف الأمني.
مجدداً، اضطرت «أفواج المقاومة اللبنانية» إلى إرجاء مؤتمرها «الوطني الاختياري» الأول ـــ الذي كان مقرراً أمس ـــ بناءً على معلومات أمنية رسمية، وبعد اتصالات أجراها وزير الداخلية نهاد المشنوق وقادة أجهزة أمنية ببري. سرعان ما توضّحت الصورة لتشير إلى أن مخطط الاغتيال الذي يستهدف الرئيس برّي كان حاضراً بقوة في يوم «الجنون الأمني». صباح أمس، لم تكُن عين التينة ولا محيطها أفضل حالاً من باقي المناطق اللبنانية التي استفاقت على خبرين: المداهمات التي نفذتها القوى الأمنية في شارع الحمرا لتوقيف مطلوبين، والتفجير الذي استهدف حاجزاً لقوى الأمن الداخلي في منطقة ضهر البيدر. الوضع في عين التينة لم يكُن على ما يرام، على الأقل من الناحية النفسية. فالتوتر الذي أصاب معظم اللبنانيين، انسحب على القصر، حيث كان النشاط أقل من الأيام العادية. أما الرئيس بري فكان «متوارياً عن الأنظار». حتى المحيطون به، كان من الصعب العثور عليهم أو التحدث اليهم، ومنهم من كان هاتفه مقفلاً. كان من الصعب الوصول إلى المكان بسهولة، حيث كانت الإجراءات الأمنية على أشدها صباحاً، ووصلت إلى حد إقفال جميع الطرقات المؤدية إلى عين التينة ظهراً، بالتزامن مع إقفال عدد من الطرقات في بيروت.
لم تكُن عين التينة ولا محيطها أفضل حالاً من باقي المناطق اللبنانية
هي ليست المرة الأولى التي تكون فيها عين التينة ورئيسها تحت مجهر الخطر الأمني. منذ عام 2005 حتى عام 2014، مسافة زمنية لم تتوقف فيها التحذيرات ولا الإعداد لمحاولات الاغتيال. البداية كانت مع وضع عبوتين ناسفتين إلى جانب طريق مثلث الزهراني النبطية. أكدت حينها المعلومات أن من قام بزرعهما عملاء لإسرائيل، وأن تفجيرهما كان سيتم عبر طائرة استطلاع إسرائيلية. بعد ذلك كرّت سبحة الكشف عن مخططات لاغتيال الرئيس برّي. عام 2012، تجمعت معلومات لدى جهة أوروبية حول تفاصيل خطة اغتيال الرجل وهو في طريقه من مقر الرئاسة الثانية في عين التينة الى مبنى البرلمان في ساحة النجمة، وأن المجموعة المكلفة بالعملية تضم خمسة أشخاص جميعهم قريبون من فكر تنظيم «القاعدة». وفي عام 2013، كان دور الاستخبارات الفرنسية التي سلّمت برّي معلومات عن تحضيرات لاغتياله. استهداف برّي لم يُفرمل. مع كل تنام للخلايا الإرهابية الموجودة في لبنان، كان الخطر يقترب من رئيس مجلس النواب أكثر فأكثر. ففي شهر شباط الماضي، أوقف فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي مجموعة تابعة لـ«كتائب عبد الله عزام»، أقرّ بعض أفرادها بأنهم كانوا قد وضعوا خطة لاغتيال بري، وأنهم سبق أن راقبوا مقر إقامته في عين التينة، وأجروا مسحاً للمنطقة توصلوا بنتيجته إلى إمكان إحداث خرق في مقر الرئاسة الثانية من خلال استخدام أكثر من سيارة مفخخة.
ولعل ما حصل أمس من أحداث أمنية «زاد من منسوب الخوف من أن يكون ما حدث نوعاً من التمويه لإلهاء القوى الأمنية وتنفيذ مخطط اغتيال الرئيس برّي»، حسب ما تقول مصادر مقرّبة من الأخير. وأضافت المصادر أن «الجو أمامنا شبه واضح»، مشيرة إلى «إجراءات استثنائية يجري اتخاذها». ولفتت إلى أن «الرئيس برّي كان دائم التحذير من خطر اغتيال شخصيات لبنانية، يمكن أن يكون هو واحد منها»، كذلك كان «دائماً يربط بين أحداث المنطقة، وتحديداً ما حصل في العراق أخيراً»، إذ رأى برّي أن «استهدافه أو استهداف غيره هو خطوة على طريق عرقنة لبنان، ونقل الأحداث الطائفية والمذهبية إلى المسرح اللبناني». ولا تخفي المصادر خشيتها، بالقول إن «كل يوم يمر، نشعر بأن الرئيس برّي بات في خطر أكثر من ذي قبل، ولا شك في أن من يسعى إلى تفجير الوضع في لبنان يضع الرجل اسماً أول على لائحة مخططاته، لأنه يعلم بأن اغتياله في ظل هذه الظروف سيشعل البلد».