شكلت التطورات العراقية صدمة كبيرة للعالم أجمع، فالتمدد السريع لما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام: داعش" في العديد من المحافظات العراقية والخوف من الوصول إلى العاصمة بغداد، أكد خطورة ما يجري، وأن هذا التنظيم وحلفاءه من مجموعات إسلامية وعشائرية وبعثية قديمة يمتلكون قدرات عسكرية وشعبية ومالية قد تؤدي لتغيير خريطة كل المنطقة وتعزز الصراع المذهبي السني ــ الشيعي والصراع العراقي-التركي والكردي ــ العربي، خصوصاً أن تخوم هذه الدولة تقع بين تركيا وسوريا والعراق والأردن وعلى حدود إقليم كردستان، وقد تتمدد أيضاً إلى إيران والسعودية وقد تصل لاحقاً إلى لبنان وفلسطين.
إذاً نحن أمام تطورات خطيرة، وسيؤدي تمدد "داعش" إلى ارتفاع معنويات التنظيمات الإسلامية المتشددة الموجودة في كل العالم العربي والإسلامي والتي تصل مجموعاتها أيضاً إلى أوروبا وأميركا وأستراليا وأفريقيا وروسيا والصين.
وبغض النظر عن الأسباب المباشرة لهذا السقوط السريع لدولة العراق وجيشه والنمو السريع لداعش، فإن الجانب الأخطر فيما يجري هو البعد المذهبي والطائفي، والذي سيكون له تداعيات خطيرة مستقبلاً، وإذا كان البعض قد يعبّر عن ارتياحه أو سروره لما تحققه "داعش" من انتصارات ونجاحات، فإن ذلك لن يستمر طويلاً لأن هذه "الدولة" وما تحمله من عقيدة وأيديولوجية وما تقوم به من ممارسات في المناطق التي تسيطر عليها يتناقض مع كل ما يجري في دول المنطقة، وإن التطرف والعنف والغلو سيؤدي لمزيد من التطرف والغلو والعنف وسيكون على حساب الاعتدال والتوازن والتسامح في كل المنطقة.
ومن هنا، فإن ما يجري في العراق هو إنذار للجميع بخطورة ما يحصل، ولذا فإن الجميع يتحمل المسؤولية وفي المقدمة المسؤولون في العراق والمرجعيات الدينية والسياسية في كل المنطقة، لأن تغذية التطرف والغلو والسكوت عنه هو الذي يعزز التطرف والغلو والعنف عند الآخر.
نحن أمام تطورات خطيرة تتطلب مواقف واضحة وحاسمة ومراجعة لكل ما جرى وما يجري في المنطقة، وأن غياب الديمقراطية والعدالة والتكافل يؤدي إلى بروز التطرف، وإن احتكار السلطات والإمكانيات وعدم الاعتراف بالآخر ودوره يؤدي إلى بروز التطرف وانتشاره وتوفير البيئة الحاضنة له. فهل تصل الرسالة قبل فوات الأوان؟