مع انفلات الاوضاع الأمنية في العراق والتهديدات التي أطلقتها داعش ضد المراقد المقدسة في كل من النجف وكربلاء, ومع الهجمات المتكررة لداعش على مدينة سامراء ذات الرمزية الدينية الشيعية ,انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الاعلامية صور لعدد من علماء الدين يقومون بحمل السلاح ويعلنون استعدادهم للدفاع عن المقدسات الشيعية المستهدفة , كما أعلن عن مواقف وفتاوى صادرة عن بعض رجال الدين والمرجعيات الشيعية في العراق تدعو الى حمل السلاح ومواجهة الإعتداءات المتكررة لداعش وكان على رأسها نداء سماحة آية الله السيد على السيستاني .
إن هذا المشهد ربما يكون عفويا وربما يأتي كرد فعل عادي على التهديدات التي أطلقتها داعش إلا أنه يحمل كمّا كبيرا من الخطورة على أمن المجتمع العراقي خصوصا وأمن المنطقة عموما خصوصا إذا ما أريد منه تحويل الأحداث الجارية في العراق إلى صراع مذهبي سني شيعي وبالتأكيد أن أحدا من المرجعيات الشيعية والسنية في العراق لا يريد ان تتحول الاحداث الامنية الجارية إلى هذا المنحى ولذا فإن على المرجعيات الدينية الشيعية أن تكون اكثر وعيا وواقعية وتعيد النظر في هذه التعبئة المذهبية الخطيرة التي تنتشر بسرعة والتي قد تؤدي إلى عواقب لا يحمد عقباها .
إن المرجعية الدينية في العراق مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى الدعوة إلى حقن الدماء والابتعاد عن الصراع الدائر لأن إصدار الفتاوى من هذا النوع يؤدي بشكل أو بآخر إلى تأجيج الصراع المذهبي والديني وسوف يؤدي أيضا وبكل تأكيد إلى إصدار فتاوى مضادة من الطرف الآخر تؤدي بدورها ايضا إلى زيادة التوتر والإنقسام .
إن وظيفة المرجعية الدينية اليوم هي حفظ الطائفة من الإنزلاق في حرب مذهبية عبثية قد تكون نتائجها كارثيا ليس على العراق وحدة بل على كل المنطقة .
وفي هذا السياق صدر عن المرجع اللبناني سماحة العلامة السيد علي الامين بيان دعى فيه المرجعية الدينية في العراق أن تبتعد عن دائرة هذا الصراع وقال : إننا نناشد المرجعيّة الدينية في العراق بأن لا تدخل في دائرة إصدار الفتاوى التي تجعلها طرفاً في الصراعات الدموية الجارية على أرض العراق الحبيب، إن إصدار الفتاوى بالتعبئة العسكرية تساهم في تأجيج النزاعات وتلقي عليها الصبغة الطائفية والمذهبية. إن دور المرجعيّة الدينية يحتّم عليها الدّعوة إلى وقف سفك الدماء، والعمل على جمع كلمة المسلمين وإبعاد الفتن عنهم، والدعوة إلى الإصلاح بعيداً عن العنف والسلاح.
إنّ إسباغ الصفة الدينية على الصراع سيستدعي صدور فتاوى من جهات دينية أخرى تدعو إلى التّعبئة المخالفة، وهذا ما سوف يزيد نار الطائفيّة اشتعالاً ويدخل العراق والأمّة كلها في فتنة عمياء لا يسرُّ بها غير الأعداء المتربّصين بها الدَّوائر والطامعين بتفكيك عراها وهدم بنيانها. هذا نداؤنا للمرجعيّات الدينية اليوم كما كان نداءنا لها بالأمس البعيد والقريب، حفظ الله العراق وشعبه وكل ديار العرب والمسلمين،
وكان سماحته قد أوضح في وقت سابق إن المطلوب من المرجعية الشيعية في العراق أن تكون في موضع الأبوة لجميع المسلمين وهي ليست مرجعية تحصرها خصوصية القطر الذي تتواجد فيه، فهي ليست للشيعة وحدهم وليست للعراقيين وحدهم، انها التي تتفاعل مع كل قضايا المسلمين في العالم ، فتعزز وحدتهم وتعمل على تعزيز الروابط فيما بينهم.ونحن نريد من المرجعية المزيد من الإهتمام بالحوزة الدينية في النجف الأشرف وسائر الحوزات الدينية في العالم من خلال تحديث المناهج وإعادة النظر في طرق التدريس ووسائله مما يساعد على مزيد من الوعي والإنفتاح بين المذاهب والأمم والشعوب ، وقد يكون للسياسة أهلها ولكن لا يوجد سوى المرجعية أهلاً لحفظ الشريعة ونشر تعاليمها وتبليغ أحكامها.