منير الربيع
يستمرّ مناصرو تيّار المستقبل بالدوران في حلقة ضياعهم، الإمتعاض في أوجّه، لا يتخيّلون ما وصلت إليه الأمور بعد قرار رئيس تيّارهم الحوار مع خصمه اللدود والذي
يعتبرونه عدوّاً، لا يتقبّلون ذلك، ينتظرون مجيء اللحظة المعلنة لوقف هذا الحوار، فيتنفسوا الصعداء. آراء متباينة تتمنّى أن لا تتعدّى المفاوضات إطار التكتيك الذي سينتهي في ما بعد بالضربة القاضية، ثأراً لكل ارتكابات النائب ميشال عون. لكن في السياسة لا وجود لضربات قاضية بل تسجيل نقاط. تحدث بشار الأسد عن عون ودعمه له لرئاسة الجمهورية. تبعه كلام عن اتصال مستمر بين الإثنين. هنا يقف "المستقبليون" أمام إستحقاقات المساءلة عن ماهيّة هذا الحوار وإلى متى سيستمرّ؟
الأكيد أن خطوة الرئيس سعد الحريري المتخطّية كل الإعتبارات، كانت لها تداعياتها السلبية على أبناء البيت الواحد، كما على الحلفاء، لا مستحيل في السياسة، مخاصمة حيناً ومهادنة أحياناً، مواجهة في مكان، وتلاق في آخر، هكذا هي، إلّا أن الوقع السلبي لما جرى ويجري، هو التغيّر لدى الحريري، الذي لم يعتده أحد على هذا النحو من التكتيك السياسي، أظهر في السنوات الماضية شخصيّة مبدئية لا مجال لها أن تدخل في حوار مع أحد على حساب المواقف، الخطوة الأخيرة شكّلت صدمة لدى الجميع. في إطار الإنصاف، هناك داخل التيار من يقول إن "الخطوة كانت ذكية، نجح الحريري في تلقّف عون، وتجنّب نيرانه وتشنّجاته، ونجح في الإعلام بإظهاره مستميتاً ولاهثاً خلف كرسي الرئاسة، انتزع منه صكوك براءة على إتهامات لا تعدّ ولا تحصى".
إنطلاقاً من هذا التوصيف، ينتشي المناصرون، يفخرون ببراعة زعيمهم، نشوة لا تطول، يأتي كلام بشّار الأسد صاعقاً، يصنع من الأحلام كوابيس، أطلق الأسد توصيفاته الممجّدة لعون، وصفه بالرجل النزيه والأقرب إلى قلبه وعقله، أعلن عن ترحيبه بإنتخابه رئيساً للجمهورية، يستيقظ المستقبليون على كابوس، لتعود الأسئلة، كيف يستمرّ الحوار مع من يريده بشّار الأسد؟ متى سيتوقف الحوار مع مرشّح الطاغية؟ أسئلة لا تنتهي، يأتي كلام وئام وهاب زيتاً على نار الحيرة، يقول: "مرشّح السيد حسن نصرالله الوحيد هو ميشال عون وهو على إتصال دائم مع الأسد، وهنأه بفوزه بالإنتخابات".
يشير النائب أحمد فتفت في حديث لـ"المدن" إلى أن "حوارهم مع عون هو محض لبناني"، يقول: مستمرون في الحوار معه، ونحن نعلّق على ما يقوله هو وليس الآخرين، ونتعاطى معه كقوة لبنانية". لا يخفي فتفت أن الحوار حقّق نتائج إيجابية، أما في موضوع رئاسة الجمهورية، فيرى أن الأسد ووهاب يعدمون عون بأفضل طريقة، "بشار الأسد لديه مرشّح آخر غير عون لذلك يحرقه".
من جهته، يعتبر عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علّوش أنه ليس لديهم أي شك بأن عون مرشح الطرف الآخر، مشيراً إلى أنه لو لم يكن كذلك لكنا قبلنا به كمرشح توافقي، و"كلام الأسد يؤكد صوابية حذرنا". يضيف علّوش: "إن الحوار هو خارج هذه الأطر، ولكن نبحث عن نقاط مشتركة لمصلحة إستمرار البلد، وإنتخاب رئيس جديد، أما بموضوع الاصطفاف، فنحن متأكدين أنه رهينة لمحور إقليمي وهو يتمترس خلف هذا المشروع للحفاظ على آماله، أما الحوار مع الحريري فهو من منطلق لبناني بحت للحفاظ على لبنان".
إذاً، سيستمرّ المستقبل بالحوار مع عون، لا أفق لهذا الحوار، لا يريدون إيقافه، بل يختبرون صبر عون، يقولون إنه هو من بيده الإستمرار في الحوار أو فرطه، لكنهم يجزمون أن هذا الحوار والعلاقة معرّضين للإهتزاز في أي لحظة طالما بقيت الإصطفافات على ما هي عليه، وبقي عون مقتنعاً بأنه توافقي ويبني سياساته إنطلاقاً من فوز محور الأقليات وفق ما سُرّب عنه أمام المؤسسات المارونية، من هنا فإن من ينتظر ضربة قاضية قد ينتظر كثيراً، خصوصاً أن كل ما يجري لا يتعدى سوى تسجيل نقاط ضمن ستاتيكو مرسوم بعناية وهناك من يشرف عليه ويمنع الضربات القاضية.