تخشى أوساط في 14 آذار أن يكون لدى "حزب الله" خطة ترمي إلى إحداث فراغ شامل في البلاد يتيح للخروج منه تدخلاً خارجياً، وبالتحديد إقليمياً، يكون فيه لإيران الكلمة في فرض رئيس الأمر الواقع. ولإحداث هذا الفراغ يصر الحزب على أن يكون "عون رئيساً أو لا أحد" وهو ما فعله عندما فرضت أحداث 7 أيار عقد مؤتمر الدوحة الذي لم يأت بعون رئيساً إنما أتى بالعماد ميشال سليمان لأنه خارج اصطفاف 8 و14 آذار الحاد، وصار إرضاء عون بقانون الـ60 الذي اعتبره يعيد "حقوق المسيحيين" ويؤمن له الفوز بعدد كبير من النواب يشكل بهم كتلة نيابية مسيحية هي الاكبر وهو ما حصل. لكن افتعال احداث شبيهة بأحداث 7 أيار ممنوع لأن المحافظة على الأمن والاستقرار في لبنان هو قرار دولي فيستعيض عنه الحزب ومن معه باحداث فراغ يبدأ بالرئاسة الأولى ثم بمجلس النواب بافتعال خلاف بين من يريدون إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية علّ نتائجها تأتي بأكثرية لقوى 8 آذار تكون كافية لانتخاب رئيس للجمهورية ولا يعود جنبلاط "بيضة القبان" في هذه الانتخابات، ومن يريد إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات النيابية لأن لها الاولوية على كل شيء آخر، فيؤدي هذا الخلاف إلى عدم التوصل إلى اتفاق على التمديد لمجلس النواب، فترد قوى 8 آذار على رفض اجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية وعلى مقاطعة جلسات مجلس النواب عندما تكون مخصصة لمشاريع عادية بتفجير الحكومة من الداخل فيكتمل بالفراغ المجلسي والحكومي الفراغ الكامل، وهذا ما يفسره تحديد العماد عون شهر آب موعداً لاتخاذ موقف من الانتخابات الرئاسية، فإما تقتنع الاكثرية بانتخابه رئيساً للجمهورية، وإما يكون هذا الفراغ القاتل. وإذا كان للعماد عون هذه الحسابات لكي يلعب مع "حزب الله" دور المعطل كما فعل في المرة الماضية وخاب ظنّه بالاتفاق على انتخاب الشخص التوافقي وهو العماد ميشال سليمان فسوف يخيب ظنه مرة أخرى ويتم الاتفاق على انتخاب شخص توافقي آخر لأن لا أحد بين المرشحين الاربعة في 8 و14 آذار الموصوفين بالأقوياء تنطبق عليه صفة التوافق لمجرد أن يغيّر فجأة ثوبه وينقل البارودة من كتف الى كتف... وهو ما أدركه الدكتور جعجع بإعلان استعداده مع 14 آذار لانتخاب مرشح توافقي يكون من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج خلافاً لموقف عون الذي لا يزال ينتظر جواب الرئيس سعد الحريري بتأييده ولا يسمع التصريحات والاحاديث السلبية التي تصدر عن نواب "تيار المستقبل" ويقتنع بأن هذا الجواب لن يأتي وإذا أتى فلن يكون مخالفاً لمضمون هذه التصريحات.
فكما صار إرضاء عون في مؤتمر الدوحة وجعله يقبل بانتخاب العماد ميشال سليمان بتكبير مكسبه السياسي والانتخابي باعتماد قانون الستين فقد يتم ارضاؤه بشيء آخر للقبول بانتخاب شخص آخر كالعماد جان قهوجي قيل إن "حزب الله" يدعم ترشيحه.
والسؤال الذي يطرح في الاوساط الرسمية والسياسية التي تريد انتخاب رئيس للجمهورية اولا وفي أسرع وقت ممكن لأن الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية في البلاد لا تتحمل عواقب تأخير ذلك وسلبياته، هو: ما العمل لتأمين النصاب واجراء هذا الانتخاب؟
يرى سياسي مخضرم انه من المعيب جدا ان تشهد دول انتخابات رئاسية ونيابية في اجواء امنية مضطربة جدا ولا تجرى في لبنان وهو في وضع امني مستقر لا لشيء سوى لاسباب سياسية وشخصية فقط. فمنذ ان دخل الزمن الرديء الى لبنان وجاء بسياسيين تافهين ولبنان لا يستطيع اجراء انتخابات رئاسية ولا نيابية في موعدها ولا يستطيع تشكيل حكومات الا بعد مخاض عسير يدوم اشهرا عدة...
لذلك فلا علاج لهذا الداء في رأي السياسي اياه الا باعتماد روح النظام الداخلي لمجلس النواب وفيه نص هو الآتي: "لا يجوز للنائب التغيب عن اكثر من جلستين في أية دورة من دورات المجلس العادي والاستثنائية الا بعذر مسبق يسجل في قلم المجلس، وان حضور جلسات اللجان الزامي، ويعتبر مستقيلا حكما عضو اللجنة الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية بدون عذر مشروع وينتخب خلف له". فإذا كان لا يجوز التغيب عن حضور جلسات اللجان ومطلوب الحضور إلزامياً لدرس المشاريع المدرجة على جدول أعمالها، فكيف عند انتخاب رئيس للجمهورية؟
وما دام النائب الذي يتغيب متعمداً عن جلسات الانتخابات الرئاسية ولغاية في نفسه او في نفس سواه، فلا بد في هذه الحال من العمل بروح النظام الداخلي وذلك بعدم احتساب اي نائب يغيب من عدد الثلثين المطلوب لاكتمال النصاب.
وعندما يعتمد هذا الحل فإن من يريد التغيب بقصد تعطيل النصاب وتاليا تعطيل الانتخاب يجد نفسه مضطراً للحضور ليحول بحضوره دون تأمين الفوز لمن لا يريد. وإذا لم يؤخذ بهذا الحل فما على 8 آذار سوى ان تفعل ما فعله الدكتور جعجع باسم 14 آذار اي حضور جلسة انتخاب رئيس وللنواب ان يقترعوا لمن يريدون رئيساً للجمهورية من مرشحين معلنين وغير معلنين، والا تحملت قوى 8 آذار وحدها مسؤولية إدخال البلاد في خطر الفراغ الشامل والقاتل.