مقدمة: هي طرائف حصلت احداثها بمعية الشهيد الكبير الحبيب ابو انيس، وممكن ان تكون حكايا وروايات ليست مبرمجة. اقصد منها الاضاءة على بعض جوانب نضاله في ذكرى استشهاده. ثم انني اروي ما حصل بيني وبينه عبر مسيرة شاقة،طويلة، متعرجة. ثم اني اصرح بداية انها ليست سوى كمية ضئيلة من مخزون كبير اعمل على اصداره في كتاب آمل ان تسمح لي الظروف في نشر ما اتجرأ على البوح به.
اللقاء الاول
تعود معرفتي بالشهيد جورج حاوي إلى حادثة قد تكون مشابهة مع حوادث حصلت مع الكثيرين من ابناء جيلنا، جيل هزيمة حزيران 67 وما تلاها من نهوض وطني وقومي عارم كردّ على هزيمة الأنظمة.
كان ذلك في العام 1970، وكان لي من العمر 15 سنة، وكان الحزب الشيوعي اللبناني يعمل بسرية، كونه لم يكن قد نال ترخيصه بعد، ولكن كما هو معروف كان الحزب قد عقد مؤتمره الثاني التاريخي (1968) الذي أحدث تحولاً فكرياً وسياسياً وتنظيمياً هاماً. وكنت قد انضممت إلى هذا التنظيم في قرية فقيرة نائية من قرى البقاع الغربي هي لبايا. فبعد الاطلاع على برنامج الحزب وتوجهاته كان يلمع دائماً اسم جورج حاوي ويرتبط مباشرة بعبارة صغيرة تختصر جوهر تلك التحولات. تلك العبارة تقول إن الحزب من خلال اعادة الاعتبار لموقفه القومي بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، يؤكد على تلازم النضال الوطني مع النضال القومي وضرورة اعتماد كل الأساليب في سبيل انجاز الثورة بما في ذلك الكفاح المسلح والرد على العنف الرجعي بالعنف الثوري.
وعلى اثر الصراعات الحزبية التي سبقت وأعقبت المؤتمر الثاني، كان لمنظمة الحزب في البقاع النصيب الوافر من هذه الخلافات خاصة لقربها الجغرافي من المرجعية البكداشية في دمشق، ما زاد في تداول اسم جورج حاوي ودوره في هذه الحقبة، اضافة الى النهوض الكبير للحركة الشعبية اللبنانية في المدينة والريف. وفي يوم من ايام الربيع من العام 1970 وجهت
الدعوة إلى منظمة لبايا في الحزب الشيوعي اللبناني لاجتماع طارئ مع وفد قيادة الحزب،
وكنا الغالبية من الشباب ومن المنتسبين الجدد، وقد كانت الأساليب السرية تقتضي عدم التعريف بالأسماء، وعليه لم نعرف من اعضاء القيادة سوى المرحوم عدنان الدغيدي سكرتير لجنة محافظة البقاع آنذاك، ولكن النقاشات كانت تتم مع رفيق آخر حيث لم يشر اليه بالاسم إلا عندما احتدم النقاش حول المهمة الرئيسية بالدفاع عن الجنوب من الاعتداءات الإسرائيلية في ظل عدم توافر إمكانيات تسليحية فيجيب هذا الرفيق<<تدبروا امركم>>، وأضاف: <<على الشيوعي أن يكون مبادراً وقادراً على الإبداع وإيجاد المستحيل>>. لم نصدق أن الجالس بيننا هو جورج حاوي. من هذه النقطة ابتدأت المسيرة مع ابو انيس.
يتبع