سرقت التطورات الدرامية في العراق الأضواء من سوريا مع انتقال مسرح الاحداث الى سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل واطاحة الحدود مع مناطق سورية يسيطر عليها التنظيم في ظل انهيار مأسوي للسلطة العراقية على نحو يوحد المشهد في مسرح واحد في كل من سوريا والعراق على غرار مراحل تاريخية مختلفة لكن مع فارق ان التدهور الامني المخيف في العراق قد يستنفر جهداً دولياً واقليمياً من اجل منع استفحاله. حتى في لبنان الغارق حتى اذنيه في خلافاته السياسية التي تتفشى اجتماعياً وتربوياً، بدت هذه التطورات العراقية مقلقة جداً من حيث انها يمكن ان تنقل ما يحصل في المنطقة من صراع سياسي ومذهبي الى مستوى مختلف تماماً يمكن ان يؤدي الى تدهور اكبر في المنطقة على وقع اتساع خشبة مسرح التقاتل الاقليمي الى مساحة العراق وسوريا معا وعدم اقتصاره على سوريا وحدها خصوصا بعد اعلان رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي انه ينوي تسليح سرايا مقاتلة لمواجهة تقدم تنظيم داعش ما يفتح الباب على تنظيم ميليشيات تواجه اخرى ويهدد اكثر السلطة في بغداد من جهة، ويمكن ان يفتح الحرب الاهلية من جهة اخرى. ففيما كانت الامور معقولة الى حد ما وان مقلقة مع تصاعد تنظيم داعش في سوريا نظراً الى بقاء الجزء الأساسي من نشاطه في سوريا وان امتد الى العراق في بعض مظاهره، فإن الوضع المستجد يشكل تحدياً كبيراً لمجموعة واسعة من الدول بدءاً من الولايات المتحدة الاميركية. اذ هي استثمرت الكثير في العراق بشرياً ومادياً بعد اطاحة صدام حسين في حين تبدو مصالحها في المنطقة انطلاقاً من العراق مهددة مع انتقال الارهاب الذي حاربته في افغانستان الى مناطق اوسع واكثر رحابة في ظل تطورات سياسية مؤثرة وتفشيه على نحو مرضي اكثر بكثير مما كان عليه قبل اعوام. كما ان ثمة الكثير على المحك بالنسبة الى الدول المجاورة وفي مقدمها ايران الراعية الاساسية لنظام حكم نوري المالكي والذي يتحمل بسوء ادارته وحكمه خلال ولايتي رئاسته للحكومة العراقية نشوء خلل مخيف في العراق على مستوى عدم قدرته على اقامة توازن سياسي ومذهبي بل اذكاء الحساسيات المذهبية بحيث يعتقد كثر انه قد يكون السبب في ما حصل اكثر من تأثير التطورات السورية في الجوار العراقي على رغم التفاعل بين البلدين الجارين. وكانت ثمة مواقف لمسؤولين اميركيين في الساعات الاخيرة حملوا فيها المالكي مسؤولية ما جرى كما مسؤولية معالجة الوضع واستيعاب القبائل والعشائر السنية من اجل وأد الحرب الاهلية على رغم ابداء واشنطن استعدادها للمساعدة في هذا الاطار بعدما طاولتها التطورات الميدانية مباشرة ان لجهة سيطرة المسلحين على اعتدة قدمتها الولايات المتحدة الى الجيش العراقي او على صعيد استسلام الجيش العراقي وانسحابه امام تقدم المسلحين او تخليه عن مراكزه وحتى هربه ما يشكل خيبة امل واسعة في ظل الاعتقاد بأن ثمة جيشا متماسكا وقادرا في العراق، فيما يتجه العراق على ضوء ما حصل الى تكريس وضعه كدولة فاشلة اخرى في المنطقة. يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة على عتبة تنظيم انسحابها من افغانستان فيما تتسع قاعدة الارهاب الاصولي الديني. لكن من غير المتوقع ابداً في ضوء سياسة الرئيس باراك اوباما عودة الاميركيين للتدخل ميدانياً من اجل انقاذ الوضع. فيما استنفرت تركيا التي كانت تستقبل الرئيس الايراني حسن روحاني وتعلن النية للعمل معه على مواجهة الارهاب مع تسجيل تنظيم داعش سيطرته على الموصل، فاستدعى رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان اجتماعا طارئا لقياداته السياسية والامنية من اجل مناقشة الوضع في الموصل على ضوء خطف 48 مواطنا تركيا فيها. ولا يقل التحدي بالنسبة الى ايران التي وفيما حصدت قبل ايام قليلة انتصارا كبيرا عبر تأمين استمرار الرئيس بشار الاسد في موقعه على رغم الانتفاضة ضد حكمه المستمرة منذ ثلاث سنوات، تواجه اهتزازا كبيرا في العراق الذي كان يعتبر مضمونا وثابتا في المعادلة المؤدية الى سوريا ومنها الى لبنان على رغم استمرار العمليات الارهابية فيه. والدول الغربية التي تجتمع لمناقشة دفق الجهاديين الى سوريا وسبل مواجهة عودتهم الى المجتمعات الغربية باتت بدورها امام تحد مختلف اكثر عمقا وخطورة واتساعا.
لا تزال الامور مشوشة على مستوى تقدير الوضع العراقي خصوصاً ان التطورات لم تنته بعد وهي لا تزال في طور تدرجي قد يتصاعد. لكن في الحدود التي حصلت فيها حتى الآن، فان رد الفعل الاولي من جانب مراقبين ديبلوماسيين رسم سيناريوات قاتمة استناداً الى المعطيات المتوافرة. فخطورة هذه التطورات ربما تستدعي اجتماعات دولية واقليمية طارئة وفق ما لا يستبعد هؤلاء لمواجهة توسيع تنظيم داعش سيطرته ونفوذه في المدن العراقية، وهو أمر سيكون موضع متابعة وفق ما يقول بعض المراقبين الى درجة احتمال رفعه الى مجلس الامن باعتبار ان الوضع العراقي مختلف عن الوضع السوري ولو ان تنظيم داعش يشكل عاملاً مشتركاً ميدانياً في كل من العراق وسوريا. قلة من هؤلاء يعتقدون بقدرة المالكي على الامساك بزمام الأمور ومعالجتها على نحو يوقف المد الاستنزافي للدولة في العراق لكن الخشية الكبرى من وضع استنزافي يطول جنباً الى جنب من سوريا الى العراق والعكس صحيح بحيث قد يفرز وقائع سياسية وديموغرافية خطيرة في المنطقة ومشاكل اكبر.