ليس خافيًا على أحد أنّ البطريركية المارونية كانت تعي ومنذ انطلاق معركة رئاسة الجمهورية أنّ حظوظ الأقطاب المسيحيين الأربعة، رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، رئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، شبه منعدمة لتمسّك كلّ منهم بترشيح نفسه حتى ولو أعلنوا العكس وبالتالي انعدام أيّ إمكانية للتوافق على اسم أحدهم.
أمام هذا الواقع، سعى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لتسويق أسماء عدد من المرشحين عرفوا بأنهم مرشحو بكركي، وهو ما أزعج عون مؤخرًا وخلق نوعًا من الفتور في علاقة الرابية–بكركي. وأصرّ البطريرك على أن يبقى مسعاه هذا بعيدًا الأضواء لعدم حرق أسماء الشخصيات المرشحة للرئاسة، الا أنّ خروج جعجع لاعلان محتوى لائحة بكركي الرئاسية، ترك انزعاجًا كبيرًا لدى الراعي الذي سارع والبطريركية لاصدار نفي رسمي لوجود أيّ لائحة من هذا النوع.
ويقول زوار الراعي أنّ الأخير كان لديه أفضليات بالموضوع الرئاسي لكنّه لم يطرح أي أسماء بالعلن ولم يسوّق لأي منها في الدوائر الغربية، ناقلين عنه انزعاجه الكبير من كلام جعجع الأخير بالاضافة الى عتبه على كلّ من يسعى لطرح اسمه شخصيًا كمرشح رئاسي.
ويضيف الزوار نقلاً عن الراعي: "وكأنّه لا يكفي الأزمة الرئاسية تعقيدا كي نبتكر عقدا جديدة تطيل من مرحلة الشغور الرئاسي".
وأكثر ما يقلق بكركي هو السعي لاحراق الاسماء التي ذكرها جعجع، والتي كانت قد تشكل مخارج مناسبة للأزمة الرئاسية، برأي الراعي، الذي يستبعد كليًا امكانية ادخال اي تعديلات دستورية تذكر بالموضوع الرئاسي الا لضرورات قصوى. وتضيف المصادر التي تنقل المواقف عن البطريرك: "لو كان حقيقة هناك امكانية أو رغبة باجراء تعديلات دستورية لكان تم ذلك من خلال تعديل ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان".
ولم تتعاط أي من القوى السياسية وعلى رأسها تكتل "التغيير والاصلاح" بجدية مع ما قيل أنّها مبادرة طرحها جعجع لحل الأزمة، ولفتت مصادر التكتل الى أن ما كان ينتظره اللبنانيون وحتى قوى "14 آذار" نفسها أن يسحب جعجع ترشيحه ليس أن يخرج بأطروحات هي أبعد ما تكون عن المبادرات.
ويبدو أنّ كلّ مساعي العماد عون للدفع باتجاه إجراء انتخابات نيابية تسبق انتخاب رئيس الجمهورية باءت بالفشل، اذ تشير مصادر معنية الى أنّ حلفاء عون أنفسهم رفضوا طرحه هذا، ويتجهون مع فريق "14 آذار" لتمديد جديد لولاية المجلس النيابي الحالي قبل 20 آب المقبل.
بدورها، لا تفكر قوى "14 آذار" في المدى المنظور بالكشف عن الخطة "ب" الرئاسية، لاقتناعها بأنّ الظروف والمعطيات الحالية ستحرقها كما أيّ خطة أخرى تُطرح حاليا.
وفي هذا الاطار، نبّهت مصادر في قوى "14 آذار" من "محاولات لحزب الله تحويل كل الملفات السياسية المطروحة كما الملف المطلبي الى سلة واحدة فيأتي الحل جماعيا وعلى شكل مؤتمر تأسيسي، طلب حليفه عون أن لا يكون الحديث عنه والسعي اليه علنيا".
ويبدو ان المشهد العام السائد لجهة التأقلم مع مبدأ فراغ سدة الرئاسة والتفرغ لملفات أخرى، يهدد بتحويل الملف ثانويا ما قد يدفع البطريركية المارونية قريبا لاتخاذ خطوات تصعيدية في هذا المجال.