انتهت الانتخابات الاوكرانية في 25 مايو/ ايار . لقد حسم الشعب الاوكراني المتعطش للأمن والاستقرار الانتخابات من الجولة الاولى موفرا اعباء جولة ثانية على خزينة الدولة المفلسة ، بفوز الميلياردير بيوتر بورشنكو ملك الحلوة والشوكولا . بوروشينكو (48 عاما) من رجال الاعمال البارزين ومعروف باسم (ملك الشوكولا) نظراً لاعماله المرتبطة بإنتاج الحلويات، وقد احتل سابقاً مناصب بارزة في السلطة منها وزير الخارجية الاوكرانية ومنصب وزير الاقتصاد في فترة حكم الرئيس السابق يانوكوفيتش ثم انقلب عليه، ومن ابرز وعوده "اعادة العلاقات مع روسيا".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف تمت الانتخابات بهذا الهدؤء، ولماذا هذه المرونة التي ابدتها موسكو لإتمام الانتخابات الحالية؟ هل عجزت روسيا وسلمت بالأمر الواقع بخروج كييف نهائيا من تحت سيطرتها.؟
مما لا شك فيه في ان المرونة التي ابدتها روسيا ناتجة عن الحالة الاقتصادية التي تعيشها ،والتي فرضتها الازمة الاوكرانية التي استنزفت اقتصادها. فالاقتصاد الروسي مرتبط بالشراء والبيع من الغرب وهو اقتصاد مستهلك . توقفت روسيا عند هذا الحد من عرض العضلات والاستعراضات البهلوانية ضد الجيران لامتصاص الصدمة بسبب الازمة الاوكرانية التي لم تكن روسيا تتوقعها وتنتظر ردة فعل الغرب،وبالتالي لم تخطط لها .روسيا تعاملت مع الازمة في البداية من خلال ردة الفعل التي ترجمتها بالسيطرة على شبه جزيرة القرم، ولكن بعد المواجهة الغربية ،الدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية ضد موسكو اخذت الامور منحى اخر في المواجهة .
فكانت المواجهة الداخلية الاوكرانية بين الشرق والمركز ،حيث تعاملت روسيا فيه مع المناطق الشرقية والجنوبية بأنها ازمة داخلية اوكرانية، وليس بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي كانت خطوتها الدعم والمساندة للانفصاليين والتي فرضتهم امرا واقعا من خلال الاستفتاء الذي تم في 11 مايو\ ايار الماضي ، مما دفع موسكو الى استخدام السلاح الثاني في عملية المواجهة أي الانتخابات التي تمت في 25 ايار بدون مشاركة اي مرشح من الشرق او الجنوب، وبالتالي كانت تحاول من خلال خطاب الرئيس الروسي بوتين الذي قالها بصراحة بانه لا يهمه من هو الرئيس القادم بل كيف يمكن تسوية مشكلة الاقليم الداخلية .روسيا فرضت امرا واقعا بعملية الاستفتاء حيث حاول بوتين ان يقول للعالم كله": اذا اعترفتم بحقنا وبالاستثفتاء نحن نعترف بالانتخابات".
يحاول بوتين ايجاد مناطق في اوكرانيا ذات حكم ذاتي من خلال الاقرار بالاصلاحات الدستورية بحق الاستقلالية للأقاليم، وخاصة المناطق الشرقية لما تمثله هذه المناطق من دعم للاقتصاد المركزي ويمثل 70% من اجمال الاقتصاد الوطني، وبالتالي هذه العلاقة مع الاقاليم سوف ينعكس على الدعم الاقتصادي والاسثتماري الروسي لها بظل عجز الغرب من تقديم المساعدات الاقتصادية للمناطق الاخرى مما سوف يساعد الروس على التغلغل اكثر في داخل الطبقات الروسية.
طبعا يبقى سلاح الغاز اساسي في الضغط وتسديد الديون التي لا يمكن لهذه الدولة العاجزة تسديدها مما سيدفع روسيا بفرض شروط قاسية عليها وخاصة ان الوعود الاوروبية تشير الى ان النظام الاوكراني سوف يسدد كله ديونه .فالديون لن تسدد، وروسيا سوف تعمل على افشال هذا النظام اقتصاديا وتضعه في مواجهة مع حلفائه الغربيين ومع الشعب الاوكراني وخاصة المناطق الجنوبية التي سوف تهدد مجددا، فكان الخطاب الروسي الذي وجهه الرئيس فلاديمير بوتين في 24 ايار من سانت بطرسبورغ في المؤتمر الاقتصادي 18 والذي سيطرت عليه اللغة الهادئة والاعتراف بالانتخابات والمرونة في التعامل مع ارادة الشعب الاوكراني. لكن الخطاب في طياته لم يخل من الالغام التي وضعتها روسيا حول مستقبل الاقاليم والتعامل مع المركز والتخوف من التعصب الذي يسيطر على الجماعات التي تقود السياسة في التورط بحرب قد لا تحمد عقباها مما يجبر روسيا على حماية مواطنيها والشعوب الناطقة باللغة الروسية في المناطق الشرقية والجنوبية .
لكن من المؤكد بان الرئيس الجديد وضعت امامه مهمة صعبة جدا في كيفية سيطرة لغة الحوار مع المناطق الشرقية والجنوبية التي لم تشارك بالانتخابات وإعادتها الى كنف المركز بظل فقدان الثقة بينهما ،لكن منذ اليوم الاول لانتخاب الرئيس، القوات العسكرية الاوكرانية تخوض معارك ضروس في مدينة داينتسك لاستعادة المطار من الانفصاليين وهذه المعركة هي التي تقرر النتيجة لطبيعة الازمة القادمة او الحرب الاهلية والانفصال القادم مما سيدفع المناطق الجنوبية في اوكرانيا الى الدخول بالمواجهات او فرض سيطرة الدولة المركزية بقوة السلاح وبرضى موسكو من خلال صفقة قادمة مع الغرب .
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث اعلامي مختص بالشؤون الروسية ودول اوروبا الشرقية .