نستمع كل يوم الى خطب ومواقف تحدد مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، هذا يريده صنع في لبنان، والاخر عروبياً، والثالث خليجي الهوى، والرابع صديقاً وحليفا لسوريا وايران. كلٌ يضع دفتر شروطه للقبول بالرئيس أو رفضه، ثم يحدّد هذا الفريق الاسباب التي تدفعه الى حضور الجلسة او مقاطعتها، وكذلك الامر بالنسبة الى قانون الانتخابات النيابية الذي ظل عالقاً، وقد أـدت الخلافات الى التمديد للمجلس، وربما تكرّر التمديد مرة أخرى على رغم اعتراضات من هنا وهناك، لا تجد الصدى أمام اتفاق الكتل الكبيرة.
المشكلة في لبنان ان التزام الدستور صار وجهة نظر، والتزام الاستحقاقات في مواعيدها صار استنسابياً، وبات اللبنانيون على موعد متجدد مع خرق الدستور وتعطيل المؤسسات، كما باتوا على استعداد للتكيف مع هذه المستجدات، بل إنهم يروّجونها، ويختلفون في ما بينهم على التنبؤ بحصولها، بدل ان يقفوا صفاً واحداً رفضاً لفرض هذا الواقع اللاقانوني عليهم.
ثم يتنافس السياسيون والمواطنون على التسليم بالدور الاقليمي والدولي في اختيار الرئيس المقبل، كما اقتنعوا بأن الحكومة الحالية هي صنيعة الخارج، ويرفض الكثيرون محاولات الخارج لاقناعنا بأن الدور الاساس في الاستحقاقات يبقى لاتفاق اللبنانيين في ما بينهم، وبأن الخارج مستعد لمساعدتهم ولتسهيل اتفاقهم.
الخطورة القصوى تكمن في هذا الاستسلام وهذا التسليم بانعدام قدرة اللبنانيين على التأثير في مجمل تفاصيل حياتهم العامة، وكذلك في القبول بالواقع المهين للنظم والقوانين والجمهورية. وها أنه بدأ يتردد ان لا مشكلة في الفراغ الحاصل في الرئاسة الاولى، وان الانتخاب لا يقدّم ولا يؤخّر، مما يدفع حكماً الى اعادة التفكير في الدور والصلاحيات المعطاة للرئيس ما بعد اتفاق الطائف، وفي القوانين التي تمنع الفراغ، لأنه اذا صدقت الأقوال والاقتناعات، ومضت الدولة بشكل طبيعي من دون رئيس، فذلك يعني ان الموقع الاول صار من لزوم ما لا يلزم، وان الصيغة حقاً ضُربت، وقد ضُربت أكثر، وتُضرب كل يوم من بيت أبيها.