في حزيران 1976 كانت الجيوش الإسرائيلية تقتحم حدود ثلاث دول عربية وتحتل أراضيها (مصر، الأردن، سوريا)، وتحتل القدس والمزيد من الأراضي الفلسطينية، دون أن تجد من يواجهها من جيوش عربية وسميت تلك الحرب (نكسة 1967)، واستقال الرئيس جمال عبد الناصر اعترافاً بالهزيمة لكن الشعب المصري نزل إلى الشوارع مطالباً بعودته إلى الرئاسة من أجل أن يتابع الصراع مع العدو الصهيوني.
وفي حزيران 1982 كان الجيش الإسرائيلي يشن عدواناً واسعاً على لبنان (استكمالاً لعدوانه عام 1978) وتتمة لاعتداءاته المستمرة، وتجاوز هذا الجيش قوات الأمم المتحدة ووصل إلى العاصمة بيروت من أجل أن يفرض على لبنان اتفاقاً سياسياً ــ أمنياً مذلاً (اتفاق 17 أيار)، لكن إرادة المقاومين واجهت هذا العدوان واستمرت المقاومة بالتصاعد حتى تم إخراج العدو الصهيوني من معظم الأراضي اللبناني المحتلة عام 2000.
كما نجحت المقاومة الإسلامية في مواجهة العدوان الجديد في تموز 2006. وفي غزة نجحت المقاومة الإسلامية في طرد الاحتلال الصهيوني ومواجهة اعتداءاته المتكررة.
واليوم وفي حزيران 2014 بدأت الصحافة الإسرائيلية تنشر تقارير ودراسات حول المخاوف المتزايدة من أن تبدأ قوى المقاومة بشن هجوم مضاد ضد الجيش الإسرائيلي عبر الجليل أو حتى قطاع غزة.
ورغم أن الواقع العربي والإسلامي يعاني من تمزقات وصراعات وحروب أهلية، فإن الكيان الصهيوني لم يعد قادراً على شن عدوان جديد على لبنان أو قطاع غزة وأصبح يحسب ألف حساب عندما يفكر بأي عدوان.
ومن هنا بدأ الصهاينة يبحثون في كيفية اختراق الواقع العربي والإسلامي من خلال الاتفاقيات والاتصالات مع بعض الدول العربية والإسلامية وتحت عنوان "مواجهة الخطر الإيراني" والتحالف ضد حزب الله وقوى المقاومة، وللأسف فإن بعض هذه الدول بدأت تتجاوب مع هذه الدعوة وتعقد لقاءات علنية وسرية مع قادة العدو الصهيوني لدراسة كيفية التعاون والتنسيق.
ورغم تزايد دور قوى المقاومة في العالم العربي والإسلامي وخصوصاً المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، فإن الخطر الأكبر الذي يواجهنا اليوم هو ازدياد الصراع الداخلي سواء في كل قطر عربي أو إسلامي، أو إغراق قوى المقاومة في هذه الصراعات.
إذن العدو الصهيوني اليوم لم يعد كما كان قبل 40 سنة تقريباً رغم قدراته التكنولوجية والعسكرية والبشرية، وبالمقابل نجح الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين في فرض معادلات جديدة في الصراع، لكن الخطورة تأتي من مكان آخر وهو إشغال العالم العربي والإسلامي بالفتن المذهبية والطائفية أو بالصراعات على السلطة كما يحدث في أكثر من بلد عربي وإسلامي.
ولعل ما جرى في الأيام القليلة الماضية من هجوم عسكري شنته مجموعات من تنظيم داعش في العراق لاحتلال مدينة سامراء وتدمير مقام الإمامين العسكريين، مما يعد مقدمة لفتنة مذهبية كبيرة، أحد الشواهد الكبرى على خطورة هذه الصراعات وكيف يتم إحراق الطاقات العربية والإسلامية في صراعات داخلية بدلاً من توجيهها نحو العدو الأساسي.
ولو أن القدرات والإمكانيات العسكرية والبشرية التي تصرف في الصراعات الداخلية في سوريا ومصر وليبيا والعراق وغيرها من الدول، تحوِّل إلى الصراع مع العدو الصهيوني لكانت "إسرائيل" زالت من الوجود واستعاد الشعب الفلسطيني كامل أراضيه المحتلة.
لكن رغم كل المآسي التي نعاني منها اليوم فإن هناك جوانب إيجابية هامة ومنها أن العدو الصهيوني لم يعد قادراً اليوم على القيام بعدوان جديد على لبنان أو قطاع غزة وإلا سيكون الثمن كبيراً كما حصل عام 2006 وفي الأعوام 2009 و2010 و2012.
إذاً الصورة أفضل اليوم، لكن العدو سيظل يعمل من أجل تفتيت هذه الأمة وعلينا أن لا نساعده في مهمته هذه.