جاء العطّار الأميركي، ولم يفح العطر، حمل رسائل متعدّدة، وأطلق عناوين واعدة، وبقيَ الفعل ناقصاً.
ليس المطلوب مسكّنات أو منشّطات بل حلولاً جذريّة. حفنة من الدولارات لا تعالج أزمة النزوح بمقدار ما تكرّس أمراً واقعاً. عندما ذهب جورج بوش الى صدام حسين لم يحمل بسكوتاً ومربى الحلقوم، بل جاء بترسانته العسكريّة.لم يكن معمّر القذّافي أفضل حالاً، الدول الكبرى عندما تُقرّر، تُنفّذ، ليس من قرار في شأن سوريا بل إستئثار وإستهتار. وصفت الإنتخابات بالمهزلة، قد تكون كذلك، إلّا أنّ المهزلة الكبرى هي عند مَن ساهم في إيجاد الظروف والبيئة والمناخ لحصول هذه المهزلة التي بدأت تفرّخ مهازل في لبنان والأردن، وسائر دول الجوار.
نصف العالم مع النظام، إعترف بذلك الوزير الأميركي عندما ناشد من بيروت كلّا من روسيا وإيران و»حزب الله» العمل على وقف القتال. ماذا عن الآخرين؟ أين دور دول مجلس التعاون؟ المال للسلاح، والتمور للنازحين! أين الخطة؟ وما هو البرنامج؟ أسئلة تليق بمكانة الضيف لأنّ مَن إستقبلته بيروت هو وزير خارجيّة أقوى دولة في العالم، وفي جعبته حلول ومخارج، او يفترض أن يكون... إلّا إذا كان ما كتب قد كتب.
هنّأ خادم الحرمين الشريفين الرئيس المصري المنتخب بالدعوة الى عقد مؤتمر للدول المانحة بهدف دعم مصر. تستأهل مصر، والتعاون العسكري الإستراتيجي ما بينها وبين دول الخليج يُبرّر إحتياطاً بمليارات الدولارات لمواجهة التنين الفارسي.
ولكن ماذا عن لبنان الذي يضربه الفراغ وينهار تحت تداعيات الوضع السوري المنفلت؟ لم يأتِ كيري بأيّ إشارة إطمئنان. حدّثنا عن الرئيس القوي، ولم يُحدّد مواصفات القوة، هل يفترض به أن يكون «كاوبوي»، أم بمواصفات أميركيّة جديدة تمليها خريطة الشرق الأوسط الجديد؟
قرَّر نقل رسالة دعم الى حكومة المصلحة الوطنيّة، إعتبرها خطّاً أحمر في مرحلة الفراغ، وعليها أن تتحمّل المسؤوليات، وتمارس الصلاحيات، لكنه إكتشف أنّ الأزمة في بيروت أكبر من خلاف على توقيع المرسوم. إنها أزمة الديموغرافيا، والمذهبيات، والمحاصصات، أزمة الفراغ الذي يتمدّد، ومعه الخوف من المستقبل والمصير، وأزمة وطن تنهار مقوّماته، وأزمة أرض تضيق بأهلها، فكيف بالوافدين، وأزمة فساد ينخر في عظام المالية والإداريّة والمؤسساتية، وأزمة ولاءات خارجيّة إلاّ الولاء للدولة والوطن.
سمع في بيروت كلاماً غيرَ مريح، ماذا يوماً لو إستبدل الحشد اليافطات التي رفعها تأييداً للنظام، بالعصي والسواطير؟ وبدلاً من أن يزنّر محيط القصر الجمهوري متوجهاً الى مقر السفارة، زنَّر قصور أهل الحكم، وإجتاح المحرّمات؟ لم يعد النزوح حالة إنسانيّة، بل أعباء سياسيّة، وأمنية، وإقتصاديّة، وإجتماعيّة. عشرات من الألوف المنفلشة على مدى سهل البقاع، والمتعمشقة بالسفوح والقمم من قرنة السوداء حتى حرمون، ناهيك عن المدن والبلدات والقرى حيث يتعاظم الإكتظاظ، ويتعاظم ضغطه يوماً بعد يوم.
إذا فتحت أبواب دمشق غداً، لن يعود الجميع، الغالبيّة تأقلمت مع الوضع، وتطبّعت مع نمط الحياة الجديد، ومناخ الحرية يغري، فكيف إذا كان مفتوحاً على الفوضى؟ أجيال تنمو على وتيرة كلّ متاح مستباح، وفاعليات نهِمة بإمتياز تعرف كيف تستثمر في هذا الرصيد الجديد المتنوّع الأهداف!
لم يأتِ بمظهر «السوبرمان»، ولم يحمل حلولاً سحريّة، وبهذا المعنى كانت زيارته مخيبة في بعض جوانبها. سمع في حضرة البطريرك كلاماً موجعاً. لم تعد المسكّنات هي الحل، البلد يتهاوى، سلاح اللّادولة أقوى من سلاح الدولة.
الصيغة في خطر، ولا مكان للبنان في نزاع الفئويات والمذهبيات والقوميّات. رسالته أن يوحّد، فيما الربيع العربي يُشرذم ويفتّت ويقسّم. دوره أن يكون النموذج لحوار الأديان والثقافات، فيما البديل واضح للعيان، تقطيع للرؤوس، وبجّ للصدور، وإلتهام لأفئدة البشر. بديل بدأ يرعب الغرب، فهل هذا هو المطلوب؟