مروى علّيق
أن يقوم مواطن سوريّ قبل عدّة أيام من موعد الإنتخابات السوريّة بشراء حبر يشبه بلونه الحبر المُستخدم في المراكز الإنتخابية للدلالة على الإدلاء بصوته, هو أكبر دليل على حقيقة ديمقراطية "آل الأسد".
لم يكترث الرئيس السوري والمرشّح الرئاسي الحالي بشار الأسد, إلى جانب الدماء التي أسقطها والملايين الذين هجّرهم قسراً, إلى عدم إعتراف بعض الدول العربية والغربية بالإستحقاق السوري الحالي, ونزعها الشرعية منه. فأكمل مسرحيته المعتادة وأجرى إنتخابات شكلية صوريّة لا تمت إلى مفاهيم ممارسة الديمقراطية وحق الشعوب بتقرير مصيرها بأية صِلة.
صوتت أعداد غفيرة من السوريين لصالح بشار الأسد رغم حقدها عليه وعدم إعترافها بـ"عرسه الديمقراطي" لسبب أساسي وهو الإشاعات التي انتشرت خلال الأسابيع الماضية في كافة المناطق السوريّة والتي تنوّعت لتطال مستقبل ومصير مختلف شرائح المجتمع السوري, كاعتقال المقاطعين للإنتخابات ومن لم يصوّتوا لبشار على حواجز جيشه وقواته وفقاً لتطابق الرقم الوطني على هويتهم مع بياناتٍ يقتنوها تشير إلى عدم تصويتهم. وإقالة الموظفين منهم وحرمانهم من معاشاتهم التقاعدية. وفصل الطلاب منهم من الجامعات وحرمانهم من الإمتحانات أو التخرّج. فالسوريون على يقين تام منذ عقود طويلة عاشوها وأبائهم في ظلّ النظام البعثي, بحجم وحشيته وإجرامه وبأنّه لن يتورّع عن أذيتهم وتحقيق ما توعّد به.
كشف شهود عيّان لموقع "لبنان الجديد" عن تفاصيل أكثر, فأكدّت ر.ظ التي صوتت في مركز "حطين" الإنتخابي في حيّ "السجن" في طرطوس السوريّة أنها ذهبت للاقتراع مع أمها, وهي مدرّسة, خوفاً مما تعرّضتا له من تهديد ووعيد بإقالة الأخيرة من وظيفتها, ومن حرمانهما من معاش والدها المتوفّى. وأشارت ر.ظ إلى أن ورقة التصويت كانت معدّة باسم بشار سلفاً, وأنهم سمحوا لقاصرين وأطفال بالإنتخاب, وأجبروا الكثيرين على عدم دمغ أصابعهم بالحبر كي يتمكنوا من الإنتخاب في مراكز أخرى.
من جهة أخرى أكّد الطالب الجامعي أ.ع وهو من منطقة دير الزور لكنه مقيم في دمشق, أنّه اضطر أيضاً إلى المشاركة بالانتخابات بسبب التهديدات التي تعرّض لها والده, فأجبره الأخير على انتخاب الأسد وقال له: "بدي شوفك مهندس ما بدي روح لمّك عظام من فرع فلسطين". وأشار أ.ع بدوره إلى عدم مراقبة الإنتخابات وعدم إحصاء الأصوات وأيضاً إلى حقيقة تجهيز ورقة الإقتراع مسبقاً.
ولكن رغم جميع الضغوطات عزم الكثيرون من المقيمين في الداخل السوري على عدم المشاركة بما سموها "إنتخابات الدم" فتمسكت ل.خ وهي من صحنايا في ريف دمشق بعدم المشاركة بالإنتخابات مهما كلّف الأمر, متذرّعة بعدم الخروج من المنزل في الأيام الثلاثة المقبلة "لحتى تصير الدخلة ويخلص العرس" كما قالت. أما ح.ي التي تعمل في القطاع الخاص البعيد نسبياً عن التدقيق المباشر من قبل السلطات السورية الرسمية, قالت: "كانت حجتي العمل, فعملت ساعتين إضافيتين كي أتجنّب المشاركة في عملية الإقتراع" ولكنها اضطرّت إلى إرسال إبنتيها للانتخاب ليثبتا حضور عائلتها ولتحميهما, لا سيما أنهما في بداية مشوارهما الدراسي الجامعي.
أما بالنسبة لـ ع.غ المقيم في "فم السبع", منطقة الـ 86 في المزّة, في دمشق –وهي تعادل منطقة الضاحية الجنوبية بالنسبة لحزب الله- اشترى حبراً شبيهاً بالحبر الإنتخابي لطلي أصابع أفراد عائلته, وقال بسخرية: "تحوّل منزلي إلى مركز إنتخابي للعديد من الأصدقاء الموثوقين ممن أعلمتهم عن خطتي سراً, فأتوا لممارسة "عرسهم الديمقراطي", وأضاف أن المحزن في الأمر وفي هذا اليوم بالتحديد هو أن عيون الناس في الشوارع وفي الباصات ومناطق العمل شاخصة إلى الأصابع, فأصحاب الأصابع المدهونة بالحبر من "المستضعفين" يجاهرون بإظهارها لمن تلطخت أصابعهم بالدماء.
أية ديمقراطية تتكلم عنها الأنظمة العربية وخاصة نظام الأسد وحلفائه وأنصاره ولا يزال هناك في القرن الواحد والعشرين, أناس يخافون من ذكر أسمائهم ويتخفون وراء أسماء وهمية عندما يتحدثون عن ما عاشوه من إضطهادٍ وظلم.
(خاص موقع لبنان الجديد)