هل صار في الامكان القول إن رئيس الجمهورية سيكون من صنع الخارج وان الأمل بصنعه في لبنان صار ضئيلاً لأن لكل ناخب كبير في لبنان مرشحاً لا يتنازل لمرشح آخر حتى وإن كان يستطيع الفوز بالاكثرية النيابية ما دام يمتلك قدرة تعطيل النصاب لمنع انتخابه؟
هذه هي صورة الوضع في الداخل اللبناني، وهو وضع لا خروج منه إلا بتدخل خارج يمون على من أصبحوا أسرى مواقعهم ورهاناتهم ووعودهم لهذا المرشح أو ذاك. لكن هل الخارج المعني بانتخابات الرئاسة في لبنان متفق على اختيار الرئيس العتيد أم أن له مشاغله الأخرى في غير دولة في المنطقة مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، وإلى أن يأتي دور لبنان لا بد من الانتظار وقتاً غير معروف، ولبنان بات في وضع اقتصادي لا يحتمل طول الانتظار.
لقد نجح "حزب الله" ومن معه في إحداث شغور رئاسي وهو قادر على إحداث فراغ حكومي إذا لم يكن الرئيس العتيد مقبولاً منه، فيخيّر قوى 14 آذار بين القبول بمن يريده رئيساً أو يفجر الحكومة من الداخل وعندها يكون الفراغ الشامل والقاتل، فتضطر هذه القوى إلى أن تختار الشر الأهون أو تتدخل حكمة العقلاء انقاذاً للبنان بالاتفاق على رئيس حيادي يقود سياسة تحييد لبنان عن كل الصراعات.
وفي معلومات لمصادر ديبلوماسية أن المظلة الدولية التي حمت حتى الآن أمن لبنان واستقراره من تداعيات الحرب السورية قد تستمر في حمايته من سلبيات الشغور الرئاسي بجعل حكومة المصلحة الوطنية قادرة على ملء هذا الشغور بالاعمال المنتجة وبالانجازات الضرورية التي تهم الناس في انتظار ان تنجلي صورة الوضع في المنطقة في ضوء المحادثات الاميركية – الايرانية والتقارب السعودي – الايراني، فإما يكون استقرار شامل أو حرب شاملة.
الواقع ان "حزب الله" ومن معه يملك قدرة التعطيل لكنه لا يملك قدرة تأمين الفوز للمرشح الذي يريد، لذلك يأمل في أن يحقق له الخارج ذلك وتحديداً إيران كما كان الخارج يحقق ذلك في الماضي لقوى سياسية لبنانية، وكان هذا الخارج أميركا ومصر وسوريا.
ولمعرفة تحرك الخارج نحو اهتمامه بشؤون لبنان لا بد من انتظار انتخاب الرئيس بشار الاسد لولاية جديدة وترقب ردود الفعل العربية والدولية على هذا الانتخاب كي تستطيع إيران تحديد موقفها من الأوضاع في كل دولة في المنطقة ولا سيما العراق وسوريا ولبنان، ومعرفة ما ستنتهي اليه المحادثات الجارية حول ملفها النووي، فإذا توصلت إلى تفاهم مع اميركا وحققت تقارباً مع السعودية، فإن المنطقة سوف تدخل مرحلة أمن واستقرار لن تكون حتى اسرائيل بعيدة عنها ولو طالت مفاوضات السلام. أما أذا لم يتحقق ذلك، فان دول المنطقة قد لا تنعم بالأمن والاستقرار ولبنان منها إذا لم يتفق القادة فيه على تجنيبه المخاطر وإخراجه من لعبة صراع النفوذ.
والسؤال المطروح هو: هل يعقب التجديد للرئيس الاسد تحريك للحل السياسي وفقاً لاتفاق جنيف أو لأي اتفاق آخر، أم تعقبه بداية تسليح المعارضة السورية المعتدلة بهدف تغيير موازين القوى على الأرض توصلاً إلى تغيير موازين القوى سياسياً ليصبح فرض الحل العادل والمتوازن على الجميع ممكناً؟
إن الاشهر القليلة المقبلة سوف توضح صورة الوضع في المنطقة انطلاقاً من الوضع في سوريا، وقد رفعت اميركا شعار مكافحة الارهاب الذي لا خلاف عليه كغاية إنما الخلاف قد يكون على الوسيلة وعلى توصيف الارهاب. فأذا نجحت أميركا بالتفاهم مع روسيا في اقامة تحالف عربي واقليمي ودولي على مكافحة الارهاب الذي أخذ يهدد الجميع، فإنه يصير في الامكان التوصل إلى اتفاق جديد بين الدول يكون بديلاً من اتفاق "سايكس – بيكو" ويقوم على أساسه الشرق الاوسط الجديد. وعندها تزول أسباب الازمة في لبنان بزوال أسباب الازمة في سوريا، وتزول أيضاً أسباب احتفاظ "حزب الله" بسلاحه، وتقوم عندئذ الدولة القوية في لبنان القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها ولا يكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها. أما إذا لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فإن دول المنطقة تصبح معرضة للتفكك والتقسيم وإقامة دويلات دينية وعرقية تبدأ باقامة الدولة اليهودية بعد تهجير الفلسطينيين منها الى شبه دولة فلسطينية بعد حروب تتواجه فيها قوى الاعتدال مع قوى التطرف والاصولية وبنتيجتها يقوم شرق أوسط آخر، وستجد اسرائيل الفرصة سانحة لإقامة الدولة العنصرية اليهودية في وقت تعاني دول عربية من انقسامات سياسية داخلية حادة لا بل من صراعات مذهبية قد لا تتوقف إلا باقإمة دويلات فيها، وهذه قد لا تنعم أيضاً بالاستقرار الدائم في حين تنعم اسرائيل وحدها به.
لذلك فإن أمام القادة في لبنان خيارين: إما الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون من صنعهم، وإما انتظار ما سيتفق عليه صنّاع الرؤساء ويكون انتظاراً مفتوحاً على كل الاحتمالات.