تصريح وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، الأخير لـ«رويترز» حول رغبة إيران في إعادة إحياء التواصل مع الرياض، التي كان قد أفصح عنها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، ومبادرة المملكة آنذاك بتوجيه دعوة إلى ظريف لزيارتها - فتحا باب التكهنات السياسية على مصراعيه، حول إمكانية التوصل إلى تسوية إقليمية بين قطبي المنطقة برعاية دولية، تنهي أكثر من عشر سنوات من الصراع بينهما، الذي اشتعل بطريقة غير مباشرة في بعض مراحله على الجبهات الساخنة في سوريا والعراق واليمن، والباردة في لبنان والبحرين.
لكن ربط الأمير سعود الفيصل كلامه عن استئناف التواصل تلبية لرغبة القيادة الإيرانية، وقناعتها بأن تصبح جزءا من الجهود المبذولة لتكريس الاستقرار والازدهار في المنطقة بما فيه مصلحة الجميع، يضع اليد مباشرة على الجرح، ويشير إلى التباعد الكبير والاختلاف العميق والجذري في وجهات النظر بين البلدين، مما يفسر صعوبة جدية في بناء أرضية مشتركة لبدء الحوار بينهما، أو توقع نتائج إيجابية ملموسة وسريعة، تعكس ما هو مأمول من طهران - رغم أنه مستبعد - في أن تقرر العمل على إعادة بناء الثقة مع جيرانها العرب، خصوصا السعودية.
فالمشكلة ليست بالرياض، ولا ببعض العواصم العربية والإقليمية، بل المشكلة تكمن أساسا في نوايا طهران، التي حولت دورها المقبول نسبيا في المنطقة، إلى نفوذ تجمِع كل الأطراف الإقليمية والدولية على رفضه، الذي دفع الرياض إلى التحول من الدبلوماسية الوقائية والاحتوائية الهادئة إلى الدبلوماسية المندفعة المتصلبة، لمواجهة محاولات طهران المستمرة منذ حربي الخليج الثانية والثالثة وفوضى تداعيات الانتفاضات العربية في الأربع سنوات الأخيرة، فرض شروطها على المنطقة، جراء مبالغتها في تقدير قدراتها وإمكاناتها، واعتقادها أنه بإمكانها تغيير الثوابت السياسية والاجتماعية والثقافية في المنطقة، التي أخذت من اتفاقية «سايكس - بيكو» صفة الدول الوطنية والقطرية.
سابقا، استطاعت الرياض مع الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني رأب ما تصدع من ثقة بين الطرفين جراء محاولات طهران تصدير ثورتها، في السنوات الأولى لسقوط الشاهنشاهية، عبر أساليب مختلفة، وتجاوز تراكمات الحرب العراقية - الإيرانية. أما حاليا ورغم وجود رئيس معتدل مدعوم من الإصلاحيين، فإن إيران الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي المعتدلة تبدلت، ويكفي ما يخرج يوميا إلى الإعلام من تصريحات لقادة «الحرس الثوري» ضد جيرانها، ليؤكد حقيقتين: الأولى أن ما تقوم به إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان ليس مجرد أوراق ضغط من أجل الحصول على مكاسب في مفاوضاتها مع الغرب فقط، بل يحمل أفكارا توسعية ترسم صورة الطموحات الإيرانية لمستقبل المنطقة، ومن جهة ثانية تكشف عن مدى الأزمة الإيرانية الداخلية، حيث أصبحت الأطراف الخارجية مضطرة إلى التعامل مع ثلاث سياسات خارجية في دولة واحدة، موزعة كما يلي: وزير خارجية المرشد ومستشاره للسياسات الخارجية علي ولايتي، وهو رغم أنه يوازن بين مراكز القوة، لكنه يميل في نهاية الأمر في السياسة الخارجية لصالح المتشددين بالحرس. وزير خارجية «الحرس الثوري» قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني، صاحب الكلمة الفصل في الاقتصاد والأمن والعسكر خارجيا وداخليا، والثالث وزير الخارجية في حكومة الرئيس روحاني المهندس محمد جواد ظريف الذي يرغب في الحوار، لكنه في النهاية ليس الشخص الذي يتخذ القرار. وهذا يفسح المجال لطرح سؤال وجيه وهو: مع من سوف تتفاوض الرياض؟
طهران أقرب إلى الرياض من واشنطن، ولهذا لا يمكن اقتصار الحوار معها على الملف النووي كما هو الحال مع واشنطن. فالحوارات هنا متشعبة ومصيرية. فسوريا تكفي وحدها، مثلا، ليكون الحوار مسألة حياة أو موت لكلا الطرفين، هذا عدا الجهود العربية، المتأخرة نوعا ما، لاستعادة ما يمكن استعادته من العراق إلى الحظيرة العربية، التي ستواجه برفض إيراني مطلق، إضافة إلى ملف الحوثيين واللعب بورقة الحراك الجنوبي من قبل طهران، اللذين باتا يشكلان تهديدا مباشرا لوحدة الدولة اليمنية والأمن القومي السعودي والخليجي، وليس آخرا تلويح حزب الله الدائم بالحاجة إلى مؤتمر تأسيسي جديد للبنان، الذي يعكس نوايا إيران بإضعاف حلفاء المملكة في لبنان، وكسر التوازن الذي حققه اتفاق الطائف.
ربما هذا ما دفع بالكاتبين السعوديين المعروفين، الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مقاله بصحيفة «الشرق الأوسط» «رغبة السعودية في التفاوض وإيران»، والأستاذ جمال الخاشقجي في صحيفة «الحياة» «لماذا ستفشل المفاوضات السعودية - الإيرانية المقبلة»، إلى عدم المراهنة على التجاوب الإيراني مع دعوة الفيصل، وإلى توقع الفشل المبكر لهذه المفاوضات، ليصبح بعدها لسان حال السعوديين مطابقا للمثل الشعبي اللبناني «بشو بدي اذكرك يا سفرجلة، مع كل نتشه غصة».