يُخاض في الشرق الاوسط حروبٌ , تحت عنوان نشر الحرية وبالتالي تثقيف الناس ثقافة الديمقراطية , وهذا عنوان جميل , " إذا كان ما يُرفع من شعارات أمر صحيح , ونحن على شك من صدق الشعارات التي يختبئ خلفها مشاريع ما أنزل الله بها من سلطان .
وفعلا نحن بحاجة لثقافة الديمقراطية والحرية في بلادنا , وبحاجة أكثر الى فعلية تلك الثقافة وليس فقط فاعليتها , لأن الاستبداد السائد في الشرق يرفع أيضا شعار الحرية والكرامة والديمقراطية , إلا انه قد أعاد إنسان الشرق الى القرون الوسطى , لانه إكتفى بالشعار , وخير دليل على ذلك هو ما نراه من سلوكيات محكومة بثقافة القتل والظلم واللا إنسانية .
لكن تجدر الاشارة الى أنه من ثقافة الديمقراطية أيضا , أن لا تحقّر إختيار أحد مهما كان , فلماذا كل هذا الضجيج حول عملية الاقتراع الانتخابي للنازحين السوريين ؟
فضجيج الامس دل على أنه لا وجود لما يسمى ثقافة الحرية والديمقراطية التي يتغنى بها الكثير , وهذه مشكلة بنيوية خطيرة , لانها تدل على مفهوم جديد للحرية عند البعض , هو أن الحرية هي كما أريدها أنا وليست كما هي , يعني انت حرٌ كما أريد أنا , وهذا وجه جديد للإستبداد , وهذه المشكلة الاساسية التي أفشلت كل المعارضات في الشرق , وخاصة في لبنان , لقد فشلت المعارضة لانها فصّلت الحرية على مقاسها , فلم يستطع الاخر أن يرتديها , تماما مثل الذي فصّل ثوبا على مقاسه وطلب من الناس ان ترتديه , أليس هذا هو الاستبداد .
الديمقراطية قبل أن تكون ممارسة فعلية ينبغي أن تكون ثقافة سائدة , فلا يمكن أن يمارس الديمقراطية من لم يكن ديمقراطي مع نفسه اولا ومع محيطه ثانيا , لان فاقد الشيء لا يعطيه , فكيف يحمي الديمقراطية المستبد , وكيف يحمي الديمقراطية الاناني الذي لا يرى حرية لغيره .
أنا لا أدافع عن أحد , بقدر ما أدافع عن مفهوم الحرية والديمقراطية , مع أن لي الكثير من الاشكاليات على عملية إنتخابات في بلد أهلها مشرّد في أسقاع الارض , والحرب فيها مستعرة لا يدري أحد إلى اين ذاهبة الاوضاع فيها , ومستقبلها مظلم .