العملية التصفوية التي تشن ضد كتائب من حركة فتح التي تتهم بعدائها للإسلاميين المتطرفين تهدف بالأساس لاضعاف قوة حركة فتح تدريجيا لكونها القوة الاقوى والأقدر على الوقوف بوجه الجميع، نظرا لما تتمتع به من مخزون شعبي وقدرات عسكرية وشعبية في المخيمات ،ولكن القوى الاسلامية المتطرفة تحاول اضعاف الحركة عبراستنزافها واستغلال الخلافات الداخلية العميقة بين الاجنحة السياسية للحركة والتي تترك اثارها على القوة العسكرية للحركة ،اضافة الى ترهل الحركة عبر إبعاد العديد من الكوادر العسكرية عن الواجهة نتيجة التركيبة العسكرية الهشة وهذا ما تقوم ايضا باستغلاله تلك القوى .
من جهتها، تحاول حركة فتح الانفتاح على القوى الاسلامية في محاولة للتقرب منها والحفاظ على علاقة جيدة معها واعطائها بعض الصلاحيات وعدم السماح بالصراع الفلسطيني الداخلي وتعمل هذه القوى على استغلال المواقف لمصالحها الخاصة من خلال البروز السياسي التي تكتسبه من حركة فتح بتشريع نفسها كقوى رسمية قادرة على العمل السياسي والشعبي الى جانب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية .
القوى الاسلامية المعتدلة التي تظهر نفسها على انها صلة الوصل مع القوى الاسلامية المتطرفة و لها القدرة على ضبطها والسيطرة عليها هي نفسها متورطة بدعمها لهذه القوى نتيجة لاستغلال حالة هشة تساعدها على الاستقطاب الشعبي والسياسي داخل المخيمات الفلسطينية بظل الفورة الاسلامية والتطرف الديني المتشدد .
لكن حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" هي من تدفع فاتورة الخلافات اليومية بظل نمو الحركات الاسلامية المتطرفة على حسابها حيث تستنزف رصيدها الشعبي والسياسي .
ان مجزرة مخيم المية والمية في 7 نيسان الماضي التي ارتكبتها مجموعة "انصار الله بقيادة "جمال سليمان " والتي مرت مرور الكرام دونما التوقف امامها فلسطينياً والمطالبة بالتحقيق الفوري بهذه الجريمة وإحالتها للقضاء المختص لإقفال الباب امام الخروقات الاخرى ، التي كانت الشرارة الاولى و ساهمت بخرق الهدنة الامنية وإفشال المبادرة الفلسطينية من خلال الاغتيالات المتبادلة التي طالت مسؤول جماعة "الاحباش" في المخيم عقلة عرسال، واغتيال محمد خليل ابن شقيقة محمد الشهابي "امير جند الشام" ومرافقه الخاص،وصولا الى اغتيال علاء حجير عضو مجموعة "بلال بدر" المتشددة والتي ادت الى اندلاع اشتباكات عنيفة بين جماعة بلال بدر وكتيبة شهداء شاتيلا في حركة فتح بقيادة العقيد طلال الاردني ،حيث استخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والمتوسطة لأول مرة بتاريخ الخلافات الفلسطينية الداخلية، ما دفع الى طلب وقف اطلاق النار عبر مكبرات المآذن واشتغلال هذه الحالة من النداءات والاستغاثة رحمة بالمخيم وسكانه خوفا من كارثة قد ترتكب بحق ابنائه، مما دفع بخروج تظاهرة كبيرة لأول مرة تحاول التصدي لهذا الفلتان والعبث الامني الذي يشهده المخيم .
لقد كانت حركة فتح بعيدة عما جرى، ولم تتحرك الكتائب الاخرى التي حاولت النأي بنفسها عن الاشكال في محاولة لتبرير على انه خلاف خاص بين جماعة طلال الاردني وبلال بدر ، وهذا ما دفع بالقوى الاسلامية الى استغلال الموقف والخروج مع الجمهور المعترض في الشارع ، الذي فرض على القوى المتحاربة وقف فوري لاطلاق النار وبعد تشكيل قوة امنية من الاسلاميين("حركة انصار الله ،عصبة الانصار،الحركة الاسلامية المجاهدة ") وانتشرت في في مسرح الاشتباك بين حي الطيرة وسوق الخضار ومسجد الفاروق عمر بين الخطاب في الشارع الفوقاني من المخيم لمنع اي خرق وتحصين وقف اطلاق النار .
لقد غاب دور فتح النهائي عن المسرح وتخلت عن مسؤوليتها السياسية والوطنية واطلقت بعض التصريحات والبيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، تاركة المجال بذلك امام القوى الاسلامية لكي تلعب هذا الدور، و تميز دور الداعية الاسلامية وقائد الحركة الاسلامية المجاهدة وامين سر الفصائل الاسلامية الشيخ جمال خطاب بالخروج امام المتظاهرين والوقوف معهم ورفع شعار" بأنه لن يعود الى المنزل اذا لم تتوقف الاشتباكات حتى لو بات في الشارع"، مشددا على تفعيل دور القوة الامنية وان تلعب دوراً حاسماً وجدياً لمنع تكرار هذا الامر .لكن موقف فتح المنقسم والمتشابك لم يكن بارزاً وبقي محصورا بموقف قائد الامن الوطني الجنرال صبحي ابو عرب الذي اعلن بان امن المخيم وأهالي المخيم هو مسؤولية الجميع ،والجميع يستحق ان يعيش بأمن دون العبث بأمنه والذي يخدم العدو الصهيوني.وبالرغم من الهدوء "الاصطناعي" الذي فرض على المخيم لكن النفس لم تهدأ والنار لاتزال تحت الرماد.
لكن فتح اخفقت من جديد بالامساك بالمبادرة وتطويق الحادثة والسيطرة عليها عبر تعزيز موقفها واستعادة دورها المفقود الذي يتضاعف امام القوى الاسلامية المتشددة على حسابها وبالتالي عدم دعم كادرها وتحصين موقع مقاتليها حسب الاية القرانية التي تقول" انصر اخاك ظالما او مظلوما" وهذه المناصرة لم تاتي لطلال الاردني بغض النظر ذا كان محقا او صائبا ،لن فتح من يقرر ذلك ، وبالتالي هذا الضعف والارتباك في حركة فتح يدل على غياب القائد الفعلي في الساحة الفلسطينية التي يمكنه تولى المبادرة ،وهذا ما سوف يشجع القوى المتطرفة بضرب كوادر الحركة والتطاول عليهم من قبل مجموعات وشراذم صغيرة قد تعكس سلبيتها على هذه الكوادر التي تحس نفسها مهانة وضعيفة وغير محمية من قبل قيادتها مما يجعلها ان ترمي بندقتها وتقف تتفرج على ما سيحدث في المخيم دون اخذ زمام المبادرة والتوجه نحو الحسم بطريقتها الخاصة، وربما الحالة الليبية هي الدرس او العبرة في عملية الحسم اذا امكن.
د.خالد ممدوح العزي .
كاتب وباحث مختص بالعلاقات الدولية والاعلام السياسي .