ثقافة الانتصار بهذا التكثيف غير العادي التي يختزنها الخطاب السياسي لحزب الله هذه الايام، تعكس وجود ازمة ثقة بما يحيط به. اذ ليس خفيّاً ان تمجيد الانتصارات هذا، يواكبه ازدياد المعادين له على الجبهات التي يخوض فيها القتال او تلك التي يتخوف من عدوان ياتيه منها. اما داخليا لم يوفر له فائض القوة، انتصارا سياسيا يجعله في موقع يفرض فيه معادلته السياسية، ولا وفّر الثقة اللبنانية التي يمكن ان يبني عليها ما يترجم كل هذه الانجازات. القوي عادة لا يذهب الى تمجيد انتصاراته، بل يستثمرها في تحقيق المعادل لها في الحياة الوطنية، ذلك الذي يبدو حزب الله عاجزاً عن فرضه، ناحيا نحو التهويل الذي بات طاقته الباقية تلك التي تطوقه بمعادلة الخائف والمخيف القاتلة، متوسلا بها الشدّ من أزر الجمهور الحزبي حيناً، ومحاولة طمأنته ورفع معنوياته ازاء كل ما يحيط به من مخاطر وهواجس حيناً اخر.
في المشهد الرئاسي دخل اللبنانيون في الفراغ ومعه طويت فرص انتخاب رئيس من القيادات المارونية الاربعة، بعدما انتقل الملف الرئاسي بالكامل الى المداولات الاقليمية والدولية. وشروط هذا الانتقال يفرض مسارا جديدا لن يكون القادة الموارنة من ثماره المنتضرة في موسم الخريف او ما يليه. سيتركز البحث في شخصية بمواصفات توافقية، ويدرك بعض اطراف القرار الاقليمي والدولي، كما ينقل بعض الدبلوماسيين الغربيين ان “ثمة قناعة ان الارتباط الوثيق والعميق بين العماد ميشال عون وحزب الله، هو الذي يجعل العماد عون عاجزا من التفلت منه، وان خروجه ليس سهلا منه بل مستحيلاً حتى لو اراد ذلك” ما يجعله “بعيداً من صفة المرشح التوافقي او الوفاقي” لدى الادارة الاميركية والقيادة السعودية، اللتان تريان، ان الرئيس المقبل ليس عون وليس الدكتور سمير جعجع الذي ترفضه الاطراف المقابلة اقليميا ومحلياً.
في خضم ثقافة الانتصار والانجازات التي يروج لها حزب الله من سورية الى لبنان، تراجع عن شرط الثلث المعطل في تأليف الحكومة وعن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وهو انتصار سياسي سجل لرئاسة الجمهورية، اما قول الامين العام لحزب الله ان هذه الثلاثية موجودة في الواقع، فهو قول ينطوي على محاولة لتعويض الاخفاق السياسي في فرض هذه المعادلة، بقوة “الامر الواقع”. علما ان هذه المعادلة كانت من مرتكزات نصوص البيانات الوزارية للحكومات السابقة، فيما فائض القوة اليوم لم يحقق له فوزا سياسيا بل اضطر الى التنازل. في الحياة السياسية يكون الانتصار في السياسة، اما استخدام القوة العسكرية والامنية والامر الواقع فهذا من تعريفات “البلطجة” ليس الا.
لقد تراجع حزب الله من شرط رئيس جمهورية يحمي المقاومة ويتبناها، الى شرط ادنى اي رئيس لا يطعن بالمقاومة. وهو ايضا في لعبة الرئاسة في فصلها الاول لم يخرج منها سالماً، فالعماد عون عملياً هو مرشح 8 اذار الوحيد، اما سمير جعجع وعمليا ايضا هو واحد من عدة مرشحين في 14 اذار. وحزب الله لايستطيع ان يستخدم نفس التكتيك ضد خصمه وينجح دائما، نفس المنهجية يعتمدها حزب الله في مقاربة الرئاسة الاولى اليوم كما في العام 2008 التهويل واستخدام فائض القوة ثم اتفاق الدوحة. وتعلم قوى 14 اذار ان حزب الله هو من كان فرض الاتفاق وهو من انقلب عليه لاحقا.
هذا على الارجح ما اتاح اليوم لقوى 14 اذار ان تبدل قواعد اللعبة، فترشيح جعجع عطّل لعبة حزب الله. فهي في عام 2008 كان لديها مرشحين ليسا من “الصقور” هما النائب بطرس حرب والراحل نسيب لحود، لكنهما رفضا فقط لانهما ينتميان ل 14 اذار ولم تنفع مواصفاتهما غير المستفزة في امكانية قبولهما من حزب الله. وامكن لقوى 14 اذار، ان تعدل من ادارتها للمعركة الرئاسية، فكان ترشيح جعجع اسقاطاً لذرائع ترشيح عون، وهذا ساهم مع نتيجة الفراغ الرئاسي، في انكفاء قوى 8 اذار عن المواجهة الديمقراطية في البرلمان، وكشفها امام المسيحيين، وخسرت ايضا بكركي او معظم حصتها منها في هذه المعركة، فيما بدت قوى 14 اذارى اكثر صدقية في مقاربة الاستحقاق الرئاسي. ولم يجد حزب الله مخرجا للهروب من الخسارة السياسية سوى القول “ان معركته كانت لاسقاط التمديد، ليضيف هذا الانتصار الى لائحة الانتصارات “.
الواقع في لبنان اليوم، ان فائض القوة لدى حزب الله عاجزعن تكرار يوم مجيد آخر، وتحقيق نفس النتائج السياسية، وكمّ الانتصارات التي يصر حزب الله على تضخيمها وتثبيتها لدى جمهوره، من سورية الى التكفيريين الى مقولة تغيير المعادلات الاقليمية…. كل ذلك لا يخفي انتكاساته السياسية التي تظهر كل يوم من المعركة مع الرئاسة الاولى الى المعركة عليها، وقبلها في تشكيل الحكومة الى سورية التي لا نعرف كيف يمكن ان يخرج منها منتصراً…