التوتر والحذر سيدا الموقف في مخيمي عين الحلوة والمية مية، والجميع بانتظار لحظة الانفجار ليس ذلك من باب التشاؤم وانما المراقب يشعر ان هناك شيئاً ما يحضر.
بعد تعرض العقيد طلال الاردني مع زميله العقيد ابو شادي بتاريخ 21 ايار لمحاولة اغتيال من خلال تفجير السيارة في المخيم بعبوة ناسفة ادت الى اصابت ثلاثة من مرافقيه. وبهذا الاثناء قامت مجموعة من انصار الله بإطلاق نار كثيف على المحلات التجارية في مخيم المية والمية من اجل ترويع الاهلي والسكان والمعنيين بقضية مجزرة 7 نيسان الماضي من اجل اسقاط الدعوة القضائية المرفوعة ضد قائدهم جمال سليمان والتي تحد من دخوله وخروج الى المخيم وتجعله مطلوبا للعدالة اللبنانية بعد ان بات رقما صعب في مخيم المية ومية واضحى الامر والنهائي فيها .
فانصار الله اضحت الجماعة التي تحدد وترسم سير المخيم بظل ضعف الفصائل الاخرى في هذا المخيم الصغير، وبحسب مصدر مسؤول قال:" انه في اجتماع الفصائل والقوى الاسلامية والوطنية الفلسطينية الذي في حصل في السفارة الفلسطينية حاول المجتمعون مناقشة موضوع مخيم المية مية، فكان رد انصار الله من خلال ممثله في الاجتماع محمود حمد "بأننا لم نأتي الى الاجتماع لمناقشة موضوع المية ومية وإذا كان ذلك ناقشوا الموضوع بدوننا".
تجدر الاشارة الى ان بلال بدر هو قائد مجموعة من المجموعات الاسلامية التي تنطوي في اطار الشباب المسلم والتي تتخذ الاسلام المتطرف وجها لها. وبلال شاب في العقد الثالث من العمر له علاقته القوية مع الشباب الفلسطيني ابن حي صفوري من يعرفه لا يقول عنه متطرف بل انسان عادي حتى شكله لا يدل على ذلك، لكون بلال ملتح ويترك شعره الطويل الذي تغنى به لسنوات بحسب اقوال ابناء المخيم، و يتميز بوقفه ساعات امام المرآة لتسريح شعره، ويضع مادة "الجال" عليه، لكنه فجاة اضحى اسلاميا متطرفاً وهو لم يدخل الى سورية او العراق ولم يحارب في اي مكان تنتشر على ارضه الثورة الخضراء .
لكن الخلاف الشخصي الذي حدث بينه وبين بعض شباب المخيم المنتميين الى مجموعات اللينو دفعت به لكي يكون المطلوب الاول للعادلة اللبنانية و الهروب والاحتماء بالإطراف الاسلامية التي جعلت منه قائدا ميدانيا يملك ارتباطاً قوياً ببعض قيادة القوى الاسلامية الاخرى التي مدته بدورها بالمال والعتاد والتجهيز والسلاح نظرا لشجاعته وقدراته العالية، ولتاثيره على العديد من الشبان في المخيم .
"الثأر" هو الذي قسم ظهر البعير بينه وبين قوات اللينو ، و ما ساعد على فتح جبهة لاتزال معاركها مستمرة معهم. لكن مع تجميد عمل العميد اللينو بحركة فتح وسحب الصلاحيات الفتحاوية منه جعلته يتريت في المواجهة،ما دفع بهذه القوى الى توجيه الصراع للنيل من الكوادر الفتحاوية . فكان طلال الاردني هو الهدف هذه المرة .
وطلال الاردني هو عقيد بحركة فتح له صلاته الواسعة مع الكوادر الفتحاوية ومع اللينو تحديدا وتنتشر كتيبته في مقابل منطقة بلال بدر لذلك كان هدفهم الجديد ولكونه كان من الداعمين للعميد اللينو في معاركه العسكرية التي كان يشنها ضد المطرفيين الاسلاميين. فالمعركة تصفية للحسابات الشخصية اولا وإضعاف مواقع عدائي لهؤلاء المتطرفيين. على الرغم من شن المعركة ضد كتيبة طلال الاردني كانت الكوادر الاخرى عاجزة من مساندة طلال وكتيبته. ان الظهور الكثيف للمقنعين في زواريب المخيم يعود اساساً الى المساندة التي تلقاها بلال بدر من القوى الاسلامية المتطرفة بوجه كتيبة شهداء شاتيلا، ولأن غياب اللينو وعناصره عن مسرح المواجهة الماضية ساعدت بلال بدر اكثر في التمادي والتفرد في القتال لكون جماعة اللينو معروف عنها بشراستها وقدرتها القتالية العالية وتدريبهم الجيد وسلاحهم الفتاك،اضافة الى علاقتهم المميزة مع قائدهم اللينو ابن حي صفوري حيث منشأ بلال بدر ايضاً، مما يؤمن له دعما مناطقياً وعائلياً في معركته، وفرض شروطه المحمية بتركيبة المخيم الهجينة . لقد تمادت القوى الاسلامية من استثمار هذا الحدث والخروج للعلن على كونها هي المنقذ وقوى تمتلك القدرات الشعبية والسياسية ، فالقوة الخاصة التي كانت تساند بلال بدر في عمليته العسكرية هي انصار الله ، وهذه القوة لها علاقة متينة مع بلال بدر والقوى الاسلامية الاخرى نتيجة علاقاتها السابقة بالتدخل الى مناطق العراق عن طريق سورية والتي كانت جماعة انصار الله طريقها ،اضافة الى كون ابن جمال سليمان شهيد في العراق وربطته علاقة وطيدة مع هذا الشباب المسلم مما ساعد جمال سليمان على اختراقها والتغلغل في قلب هذه القوى الاسلامية المتطرفة وفرض شروطه عليها، وبالتالي هذه فإن القوى التي تتصارع مع حركة فتح تحاول ان تبني خلفها جدار من الامن تحت ستار القضية الفلسطينية.
الخروقات اليومية التي تمارس في المخيم هي من سيجعل الاهالي يدفعون الثمن الباهظ . مشهد سريالي بات يسيطر على المخيم: " اتفاقات واجتماعات تهدئة ، اغتيالات تفجيرات واشتباكات بين القوى المختلفة. الاهالي يستنجدون بالجيش من اجل الدخول الى المخيم لوضع حد لحالة الفلتان الموجودة، تحسباً من اعادة تكرار تجربة مخيم نهر البارد .
الجميع يلعب بالنار على حساب امن المخيم، وكأنه بات حقل تجارب وتصفية حسابات للقوى والإطراف، او اشبه بصندوق بريد للمشاريع وعرض عضلات غير آبهة بوضع المخيم ،في ظل غياب لمرجعية سياسية وعسكرية فعلية تعنى بحماية المخيم واهله،وتحافظ على امنه وتمنع العبث الحاصل بلا اي مسؤولية.. على الرغم من توقيع المبادرة الفلسطينية الشهر الماضي، والتي تبنتها كل الفصائل الوطنية والفلسطينية والإسلامية لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي في الحفاظ على امن المخيمات، حيث باتت تلك القوى تشعر بان الامن بات مطلباً شعبياً للجميع، وانها معنية بالمضي بهذه الخطوة او عليها القيام بها ، لكن الامن "بالتراضي" لا يمكن ان ينجح، كون هذه الحالة لا تزال تفرض نفسها ما ينتج عنها عدم الاستقرار والهدوء الذي يعلو صوته حينا بعد حين نتيجة مصالح خاصة لقوى وإطراف مرتبطة بأجندة خارجية ،وهذه الاطراف غير معنية بالهدوء والأمن او بما يحصل داخل المخيم .
جميع سكان المخيم يتحدثون عن الفراغ السياسي الذي تعاني منه المخيمات بسبب غياب المرجعية السياسة والرسمية، وهذا الغياب هو من يفرض هذه الفوضى والعبثية التي تمارس ضد ابناء المخيمات الفلسطينية وتحديدا في مخيم عين الحلوة .
الاشتباكات اليومية والخلافات المستمرة بين ما يسمى "قوى الشباب المسلم" وبعض الاجنحة في حركة فتح ، حيث ان الخلاف اصبح محكوماً بالعلاقات العائلية والمناطقية بين ابناء المخيم ويتحول تدريجيا الى خلافات تسيطرعليها الاجندات السياسية والمحاور الاقليمية .
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث بالعلاقات الدولية والاعلام السياسي .
يتبع في الجزء الثاني