اخيراً وصل الفرز في المواقف بين المعتدلين “الروحانيين”، والمتشددين الى القوات المسلحة، وهو ما لم يحصل منذ الثورة، خصوصا من الجيش بعكس”الحرس الثوري” . العنوان الكبير للخلاف هو المفاوضات حول الملف النووي ، لكن تحت هذه ” العباءة ” ملفات ساخنة جدا ، تؤشر الى ان الحملات المتبادلة هي بين التغيير الحقيقي والعميق ، والانزلاق نحو المزيد من التشدد دون الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأوضاع وموازين القوى وماذا فعلا تريد أكثرية الشعب الايراني الذي حوالي ثلاثة أرباعه دون سن الخمسة وثلاثين عاما، اي الذين ولدوا بعد الثورة وان اكثر من نصفهم ولدوا بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية .

  الجنرال حسن فيروز آبادي رئيس أركان الجيش الايراني ، انحاز بقوة الى الرئيس حسن روحاني، اذ قال: ” الرئيس روحاني خدم خلال النضال الثوري و٣٥ سنة بعد الثورة في قطاعات دفاعية وأمنية وسياسية حساسة.. يجب ان نكون فخورين وشاكرين لوجوده وعلينا ان نركز جهودنا على دعم حكومة يمكنها ان تقود سفينة البلاد في ظروف حساسة ” .. وذهب الجنرال آبادي ابعد من ذلك اذ نبّه الى صدور “معلومات بلا قيمة تثير خلافات اخرى اشاعات واتهامات بلا أساس “… ولم يكتف رئيس الأركان بذلك بعد ان “طفح الكيل”  بسبب المؤتمر الذي عقده أنصار زعيم ” الطالبانيين” أية الله مصباح يزدي بعنوان” نحن قلقون” الذي دار حول انتقاد المفاوضات مع مجموعة الخمسة زائد واحد ، لوضع يده على الجرح فقال” حتى وسائل أعلام مرتبطة بالقوات المسلحة في شكل او اخر، ترتكب اخطاء .. وسنواجهها اذا لم تصحح سلوكها” .   هذا الكلام فيه الكثير من الشجاعة حتى ولو حمى نفسه كما يفعل الآخرون  بان الأساس هو” احترام توجيهات القائد ” اي المرشد . الانقسام اصبح عموديا وهو يتناول كل شيء، بحيث أصبحت عملية اعتقال لمجموعة من ست شباب وفتيات غير محجبات أطلقوانسخة إيرانية  لأغنية بعنوان” Happy “اي الفرح،  وغنوها وهم يرقصون على الأسطح وفي الشوارع ،فتتحول بعد اعتقالهم الى قضية تتناول الحريات وهو امر طبيعي،  اما الجديد فهو ان تصل المناقشات الى درجة طرح اشكالية مهمة وحساسة ودقيقة في جمهورية إسلامية وهي :” هل الاسلام ضد الفرح”؟ ، ومن ثم ليتمدد السؤال الى السؤال عن حر ية الاختيار للدخول الى الجنة ، فيقول روحاني في احتفال جماهيري بذكرى استعادة القوات الإيرانية مدينة خورمشهر من القوات العراقية : “لا يمكن إرشاد الناس الى الجنة بالقوة والسوط ، وإنما يجب ان ندعهم يختارون الطريق الجنة بأنفسهم ..” ويضيف روحاني الى هذا:   “يجب ان يتمتع الناس بصحة نفسية عالية دون التدخل في شؤونهم الخاصة بمختلف الذرائع .. من الضروري ان يعيش الناس براحة وعدم تنغيص حياتهم بحجج واهية ومن دون سبب” . لا تقف المواجهة عند هذه المسالة الحساسة، التي تطال يوميات الغالبية العظمى من الشعب الايراني ، بل تذهب بعيدا في توسيع دائرة التغيير، فيتساءل بعد مطالبته بتوسيع حرية استخدام الشباب لوسائل الاتصال الاجتماعية ” لماذا تقوقعنا في زاوية ممسكين درعا وسيفا خشبيا خشية تلقي رصاصة… حتى ولو انقضوا علينا وهذا ما يحصل الأن  فان طريقة المواجهة هي عبر الوسائل الحديثة لا الطرق السلبية والجبانة ” . وفي تأكيد لاستحالة حجب الانترنت والمواقع الاجتماعية يردد الشباب الايراني المثل الذي يقول:” لا تضم جناحي الطائر، لانه سيطير بصوته، ولا تمسك منقاره، فسوف يغني بجناحيه” . ياتي هذا كله في وقت دعا  فيه المرشد خامنئي ” جيل الشباب الملتزم أهداف الثورة الى تأسيس الحضارة الاسلامية الحديثة ” .   يقع هذا  في وقت تتعثر فيه المفاوضات حول الملف النووي، الى درجة الكلام عن تمديد المفاوضات الى نهاية العام الحالي بسبب ما يقول الإيرانيون المطالب الأميركية الجديدة التي تتناول سلاح الصواريخ . وقد وصل الامر ببعض المتشددين الى اعلان فرحهم ،وصدور تصريحات من قيادات “الحرس” تهدد بتدمير القوات الأميركية وإغراق اساطيلها”. لكن روحاني مصر  على تفاؤله والتوصل الى اتفاق قبل ٢٠ تموز القادم ، مما سيجعله ام المعارك وهي اخراج ايران من الأزمة الاقتصادية القاتلة .   من الجلي ان روحاني يعمل على مشروع تغييري يتناول أسس الجمهورية الاسلامية في جميع مفاصلها، دون الانقلاب عليها لانه ابن هذه الجمهورية ، تماماً كما فعل الزعيم الصيني دينغ ، الذي غير الصين الماوية  دون ان يسقط النظام الذي يحفظ وحدتها . وتأكيد الثقة ” الروحانيين بالتغيير يرددو ن المثل الايراني : ” خيط بعد خيط تكتمل حياكة السجادة “..