تتعالى أصوات المفرقعات النارية والرصاص الذي لا يخلو من قذائف مدفعية، وتتسابق مع أصوات المذياع في الطرقات، هو مشهدٌ يتكرّر كلّما ظهر سماحته. وتتكرّر معه الشعارات والهتافات المشبّعة بنار الفتنة والطائفية.
ليس هذا ما لفتني، بل ما بات يلفتني عقب كل خطابٍ لأمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، أن سماحته أصبح يكرّر نفسه في كلّ ظهور، غريبٌ أمره، لم يكن هكذا من قبل فكان أحذق الناس في انتشال الخطابات من قمم الأبجدية.
فقد أطلّ علينا السيّد حسن نصر الله مساء الأمس من بنت جبيل، كعادته من خلف شاشةٍ كبيرة مرصّعة بالأصفر، خلال احتفالٍ أقامه حزب الله بمناسبة ذكرى عيد المقاومة والتحرير الرابع عشر أمام حشدٍ كبيرٍ في مجمع موسى عباس، بينما غاب ممثل لرئيس الجمهورية للمرة الاولى منذ التحرير عام ال2000 بسبب شغور سدّة الرئاسة الأولى في لبنان، أو ربّما لأن الحزب لم يقم بتوجيه الدعوة أساساً للرئيس السابق ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته التي توافقت مع مع ذكرى عيد التحرير.
وبالعودة إلى الاحتفال الذي كان تحت شعار "وطن هويته مقاومة"، خطب السيّد وكأنه لم يخطب فكان يكرّر كلماته وشعاراته بطريقةٍ ملفتةٍ للنظر، اعترف بها هو نفسه. فقد تشابهت المعاني والكلمات في خطاب الأمس والخطابات السابقة إلى حدّ الملل.
فبات السيّد حسن يلجأ للتكرار كثيراً، ففي كلّ ظهور نسمع عن مشروعٍ ممنهج لضرب محور الممانعة والمقاومة، وعن مشروعٍ تكفيري إرهابي يحاول حزب الله وأده في سوريا، وعن عملاء الداخل، وعن القضيّة الفلسطينية، وعن..وعن..وعن... وإلى آخره من الكلمات المفاتيح التي يستعملها أمين عام حزب الله كمورفينٍ طائفيّ يبثّه في عروق متابعيه من الذين أدمنوا عليها حدّ الهلوسة التي باتت أعراضها ظاهرةً عليهم بشكلٍ واضح، دون إبداء أيّ ردّة فعل غير التصفيق والتهليل "لزعيم المورفين الطائفي"، ودون أن يلتفتوا إلى أن زعيمهم بات يكرّر نفسه بطريقةٍ فاضحة لا يرضاها العقل والمنطق، وكأنه يقوم بنسخٍ ولصق لخطاباته السابقة.
ولعل الجديد الوحيد الذي أتى به نصر الله في خطاب الأمس هو حديثه عن الاستحقاق الرئاسي وعن هويّة الرئيس الجديد الذي يريده للبلاد، قائلاً :"إننا نبحث عن رئيس لا يتآمر ولا يطعن ويثبت على مواقفه بشأن المقاومة". واصفاً بعض الترشيحات الرئاسية بأنها ترشيحات "تحدٍّ مقابل ترشيح جدّي" قاطعاً الطريق أمام رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بقوله: "فيما الجميع يعرف بأن لا إمكانية له للوصول لا بالثلثين ولا حتى بالنصف زائد واحد." وبالتالي قطع الطريق على أيّ مرشحٍ آخر لا يؤمن بالوصاية السورية ولا يعتنق ولاية الفقيه ولا يصلب لبنان على خشبة "الشعب والجيش والمقاومة".