عقد و ما يقارب النصف على تحرير جنوب لبنان، هذا اليوم الذي كان من المفترض ان يكون نقطة تحول في تاريخ لبنان، لم يغير شيئًا على الصعيد السياسي و ظل محصورًا في الجنوب غريبًا عن الوطن يحتضر بين ابناءه. أذن بقي الجنوب على حاله و تغير كل ما حوله و مر حزب الله بمراحل عديدة ادت الى تمدده العسكري الى المحيط العربي و خلقه لأعداء جدد جعلهم بمصافي إسرائيل. ليس حزب الله الذي حرر الجنوب اللبناني تتويجًا لمحاولات غير موفقة لأحزاب أخرى هو نفسه الحزب اليوم و هو ليس الحزب الذي كان منذ عاميين. و في ذات الوقت فان هذا الحزب لم يتبدل منذ تأسيسه في البنية العقلية و الوجهة الايديولوجية المحركة له و هي تظهر بأشكال متعددة خاضعة للراهنية السياسية التي تفرض نفسها. حمل التحرير في 25 أيار بذرة السؤال حول سلاح الحزب و دفع حزب الله للاهتمام بتدعيم هذا التحرير عبر التعاطي الخجول الى حد ما بالسياسية الداخلية حتى اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عندها أوكل الى حزب الله الدور الذي كان مناطًا بالوصاية السورية. الانقلاب الذي حدث أربك الحزب الذي و ان شارك بالانتخابات النيابية منذ1992، فلطالما كان بعيدًا عن الزواريب السياسية الداخلية، الا انه أنغمس ب وحولها فور دخولها اليها. كان السابع من أيار 2008 نقطة تحول في مسيرة الحزب و طرائق عمله بحيث أقر من خلاله خيار العنف كأحد الحلول المشروعة للخلافات الداخلية. و أتبعه بممارسات لاحقة كعملية انتشار عناصر الحزب بلباسهم الموحد في مناطق حيوية في العاصمة و اعتراض مؤيدي الحزب للناشطين المعارضين له، كمقتل الشاب "هاشم سلمان" خلال مظاهرة امام السفارة الايرانية في 9.6.2013 منذ التحرير بدأت تكبر حالة الاعتراض على سلاح حزب الله ككرة الثلج، كان الصوت المسيحي الاكثر علوًا و تبعه وليد جنبلاط حتى أنضم الصوت السني الى مؤيدي هذا الخيار خاصة بعد السابع من أيار حيث اختبرت بيروت الوجه الاخر للسلاح. كان الحزب ينسحب شيئًا فشيئًا الى بيئته يتحصن بها كالقلعة الاخيرة و كانت الجدران ترتفع مع الشركاء في الوطن و ينحصر التواصل الى أدنى مستوياته الى ان جاء الحدث السوري الذي نقل حزب الله الى موقع جديد كمنظومة أمنية إقليمية تمارس أعمال عسكرية تخضعها لتأويلات دينية و يتم تكليف عناصر الحزب بهذه الاعمال بتكليف ديني و يكلف الحزب نفسه من قبل الراعي المؤسس بتكليف ديني كذلك. لم يعد حزب الله يتصرف كونه قائد المقاومة و رافع رايتها في لبنان و داعم أطرافها الفلسطينيين و معاد لأنظمة الخنوع العربية كما رددت شعاراته لاكثر من ثلاثة عقود، اليوم حزب الله منظومة أمنية ببوصلة مذهبية تتدخل للدفاع عن أبناءها الدينيين، عابرة للحدود متخطية للصراع مع العدو باعثة لانقسامات عاموديه ناتئة لجروح دينية مثبتة للانشقاقات الاجتماعية المشرقية مشبعة بخطاب تحريضي يقابلها اطراف لا تختلف كثيرًا عن هذا النمط. كان من المفترض ان يبقى التحرير الانجاز الاهم في تاريخ الحزب الا ان المسار الذي سلكه الحزب ادى الى تهمش انتصار 25 أيار و جعله مجرد معركة في تاريخ الصراعات التي خاضها الحزب، فالاحتفال الشعبي بانتصار القصير و القلمون السوريتين وصفا بالتحرير أيضًا. بذلك رفع الحزب معاركه السورية الى مراتب إستراتيجية موازية لمعركته مع الاحتلال و جعلها مكملة لها في مسيرة تبدو طبيعية جدًا في نظره و وجهة نظر مريديه.