مروى علّيق

لا أعلم إذا كنت سأحافظ على المهنية في كتابة الخبر, لأن القهر سيملأ سطوري. القهر على شباب دفعوا أثماناً بشرية ومادية فقط لأنّهم رفعوا أصواتهم بوجه أنظمة ديكتاتورية, لم تعرف الرحمة يوماً, أنظمة إستخدمت مختلف الوسائل الهمجية والإجرامية لقمع شعوبها, وأحبطت شباباً أحبّوا أوطانهم وضحّوا من أجل تطويرها.

ما حدث مع الناشطة السياسية والحقوقية والمحامية المصرية ماهينور المصري مؤخراً أبرز دليل, حيث أيدت محكمة جنح "سيدي جابر", منذ يومين, الحكم الصادر من محكمة جنح "المنشية" في مصر عليها بالحبس عامين وتغريمها 50 ألف جنيه بسبب مشاركتها بمظاهرة تطالب بمجازاة قتلة "خالد سعيد" أثناء محاكمتهم ووفقاً لقانون التظاهر في الدستور المصري.

فعبّر أصدقاء ماهينور من النشطاء والصحافيين عن غضبهم لاعتقالها,  وعن رفضهم لقانون التظاهر مطالبين بإلغائه, من خلال صفحة تضامنية, أنشؤوها على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك, بعنوان: "الحرية لماهينور-Free Mahienour" وأبرز ما كتبوه: "لماذا لا يطبق قانون التظاهر على من يتظاهرون الآن لتأييد مرشح الرئاسة؟ لماذا يطبق فقط على النشطاء للتنكيل بهم؟ ألم تصل السلطة الحالية للحكم من خلال التظاهر بل هم نفسهم من دعوا إليه؟"

وكتب محمود حسن, المقرّب من ماهينور, مقالاً عنها ذكر فيه أنه "رغم مرور ثلاث سنوات لم تزل ماهينور حتى اليوم تزور أهالي شهداء الثورة لتواسيهم, وكانت دائماً تدفع الكفالات لإخراج المعتقلين من السجن". مشيراً إلى أنّ ماهينور أصرّت على الذهاب إلى المحكمة, لأنّه قُبض عشوائياً على شخص يُدعى اسلام حسنين, في نفس المظاهرة التي حوكمت بسببها ولأنها رفضت أن تكون خارج الأسوار فيما يقبع آخر مسجوناً بسبب حادثة لا يعرف عنها شيئاً.

ونفّذ بعض الصحافيين وقفة تضامنية مع ماهينور, أمام المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية في الإسكندرية, فقامت قوات الأمن على اثرها باقتحام المركز والإستيلاء على بعض محتوياته والقبض على عدد من النشطاء والمحامين.

من جهة أخرى أعرب الإتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء قرار المحكمة, وقالت بعثته في القاهرة في بيان لها, أمس, أن "الإتحاد الأوروبي قلق بشأن الحكم على الآنسة ماهينور المصري بسبب تظاهرها سلمياً, والذي أثار انتقادات كثيرة بما في ذلك من الأمم المتحدة بسبب عدم اتساقه مع المعايير الدولية. وأضاف البيان "نأمل التوصل قريباً إلى حل يكون من شأنه إخلاء سبيلها وإخلاء سبيل النشطاء الآخرين الذين حكم عليهم أو يخضعون للمحاكمة لأسباب مماثلة".

وقد طالب المرشح الرئاسي لجمهورية مصر, حمدين صباحي بالإفراج عن ماهينور في تغريدة له على حسابه الخاص على موقع " تويتر" قال فيها: "قانون التظاهر لا يتفق مع الدستور المصري وماهينور وعمر ودومة وكل من حكم عليه بمقتضاه يجب إطلاق سراحه ويجب صياغة قانون جديد يتفق مع الدستور".

رغم أنني أحاول دائماً تجنّب سرديات "البطولة" حول شخصيات تظهر في الثورات والتحرّكات المطلبية ورغم أنه لا يربطني بماهينور أي علاقة شخصية, ولكن مسّتني قضيتها. ليس لأنها قضية محقّة ولا لأنها قضية رأي عام فقط, بل لأنها حالة فريدة. فماهينور بالنسبة لي هي الفتاة الخجولة والحساسة التي ظهرت مؤخراً في مقاطع فيديو, انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي, تحدثت فيها بصوت متلعثم وبغصّة عن قضيتها, بلدها, عائلتها, وأصدقائها. هي التي ناهضت عنصرية السلطات المصرية اتجاه اللاجئين السوريين في مصر والتي لم تتوقف يوماً عن المطالبة بحقوق المظلومين.

هي الفتاة التي أيقظت فيّ كلّ ما أماتته براميل وصواريخ النظام السوري, من فورات غضبٍ وتضامن مع الشعب المصري, فقد غفلت عن متابعة الحدث المصري, مؤخراً, لتعود ماهينور وتعيدني عدّة أشهر وسنوات إلى الوراء, عندما كنت أشاركهم صرخاتهم وأهتف معهم من وراء شاشة التلفاز لإسقاط حكم مرسي وحكم مبارك.

من بيروت تحية لهذه الفتاة.