بدأت الجماعة الاسلامية في لبنان ( وهي الامتداد اللبناني لتنظيم لاخوان المسلمين العالمي) في الايام القليلة الماضية ، احياء الذكرى الخمسين لتأسيس الجماعة الرسمي وقد نالت الترخيص بالعمل العلني عام 1964، مع ان بدايات الجماعة في لبنان انطلقت مع نشاط جماعة عباد الرحمن والتي كانت تعتبر احدى فروع الاخوان اللبنانية وقد اسسها المرحوم محمد عمر الداعوق في بدايات الاربعينات ومن ثم استقل مؤسسو الجماعة الاسلامية وعلى رأسهم الداعية الراحل الدكتور فتحي يكن عن عباد الرحمن وانطلقوا في عمل اسلامي سياسي مستقل في ظروف صعبة في لبنان والعالم العربي.
وتعتبر الجماعة الاسلامية اول تنظيم اسلامي حركي عمل في كل المناطق اللبنانية وهي خرّجت مئات الكوادر والعلماء وبعضهم بقي في قيادة الجماعة فيما عمل الاخرون على تأسيس حركات وهيئات وجمعيات اسلامية من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والحزبية.
ولا تزال الجماعة الى اليوم من اقوى التنظيمات الاسلامية الحركية ولا سيما في الساحة السنية وهي اقدم من حزب الله وحزب التحرير والتيار السلفي وحركة التوحيد وان كانت تربطها بمعظم هذه الحركات علاقات تعاون وتنسيق ، رغم التباين الحاصل في السنوات الاخيرة مع حزب الله بسبب الموقف من الازمة السورية.
وقد نجحت الجماعة عام 1992 في ايصال 3 نواب الى البرلمان اللبناني ، اضافة لايصال مئات الاعضاء الى المجالس البلدية والهيئات النقابية وان كانت لم تشارك في الحكم حتى الان، لكن حضور الجماعة النيابي والسياسي تراجع في السنوات الاخيرة بسسب تعاظم دور تيار المستقبل والمجموعات السلفية رغم محافظة الجماعة على دورها الشعبي والتنظيمي في معظم المناطق اللبنانية.
ولقد حاولت الجماعة الاستفادة في السنوات الثلاثة الماضية من تطورات الربيع العربي ووصول الاخوان المسلمين الى الحكم وانطلاقة الثورة السورية لتعزيز دورها الشعبي والسياسي، لكن التطورات المصرية واسقاط حكم الاخوان وعدم نجاح الثورة السورية ومحاصرة حركة حماس في غزة ، كل ذلك ادى الى عدم قدرة الجماعة على الاستفادة من هذه المتغيرات وادخلها ذلك في خلافات جذرية مع حليفيها السابقين حزب الله وتيار المستقبل ،مما جعلها في ازمة شديدة على صعيد العلاقات السياسية، كذلك تعاظم دور المجموعات السلفية والاتجاهات المتشددة في الساحة الاسلامية، مما وضع الجماعة امام خيارات صعبة ، فمن ناحية هي غير قادرة على مجارة الاتجاهات المتشدّدة في الساحة الاسلامية ، ولا يمكنها ابقاء علاقاتها الجيدة مع حزب الله وتيار المستقبل ، الاول بسبب الخلاف حول الازمة السورية والثاني بسبب الموقف من الانقلاب على الاخوان المسلمين في مصر ومواقف السعودية المتشددة ضد الاخوان.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة سياسيا وشعبيا تحيي الجماعة الاسلامية الذكرى الخمسين لتأسيسها وهي تحاول اتباع نهج سياسي يحفظ لها استقلاليتها ومواقفها المتمايزة داخليا وخارجيا ، ولكن من الواضح للمراقب لاداء الجماعة السياسي انها تعاني من ازمة كبيرة على مستوى الاداء والموقف ، فهي لا تستطيع مجارة تيار المستقبل وقوى 14 اذار سياسيا وشعبيا رغم انها تلاقت معهما احيانا مما ادخلها في اشكالات عديدة ، وهي لا تستطيع ان تعود لنسج علاقة قوية مع حزب الله بسبب الموقف من الازمة السورية، كما انها لا يمكن ان تجاري التيارات السلفية والمتشددة على الساحة الاسلامية لان ذلك يخالف نهجها الاعتدالي والوسطي وسيؤدي ذلك لادخالها في صراعات ومشاكل في غنى عنها.
فهل تستطيع الجماعة استعادة شعبيتها وحضورها السياسي الفاعل والمستقل في هذه الظروف؟ وهل تستطيع تحويل قوتها التنظيمية والشعبية في مختلف المناطق الى قوة سياسية فاعلة نيابيا وعلى مستوى الحكم والقرار في لبنان؟
يبدو ان الجماعة تعيش مأزقا خطيرا اليوم وهي تحتاج الى اعادة مراجعة ادائها ووضع رؤية واضحة تجاه التطورات الداخلية والخارجية وإلا ستبقى ترواح مكانها وتبقى قوى تابعة لبقية القوى السياسية بدل ان تكون قوة فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية لبنانيا وعربيا واسلاميا.
قاسم قصير