سألتُ "أتراك نيويورك" في بداية اللقاء عن الوضع السياسي الداخلي في تركيا، وخصوصاً بعدما بدأ مواطنوها يعتادون التظاهر ومواجهة رجال الأمن في الشارع، أجابوا: "لا تنسَ أن "حزب العدالة والتنمية" حكم ثلاث ولايات حتى الآن في تركيا، وشمل حكمه رئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس النواب. الناس يحبون التغيير. في الدول كلها يملّ الناس حكامهم بعد تجديد ولاياتهم. ولا تنسَ أيضاً أن تركيا ستشهد ثلاث انتخابات في مستقبل قريب. أولاها الانتخابات المحلية التي سيفوز فيها أردوغان (وهذا حصل). وثانيتها الانتخابات الرئاسية. وثالثتها الانتخابات النيابية، علماً أن محاولة قد تجري لتأخير موعد الانتخابات الرئاسية بحيث تصبح أقرب زمنياً الى النيابية. في وضع كهذا وفي بلد ديموقراطي لا بد من أن تتحرك الأحزاب المُعارضة بفعل التحفيز الذي تشعر به، ولا بد من أن تسعى الى استغلال أي خطأ ارتكبه الحزب الحاكم أو أي سياسة خاطئة له من أجل الفوز في الانتخابات. ولا تنسَ ثالثاً أن الوضع الاقتصادي التركي قوي جداً رغم الهزّات الأخيرة في اسطنبول وغيرها. الناتج القومي تضاعف ثلاث مرات، وهذا انجاز كبير. حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان لا تزال شعبيتهما كبيرة. ولذلك فانهما سيربحان الانتخابات". علّقتُ: لكن لدى المتظاهرين وخصوصاً الشباب منهم مآخذ حقيقية على الحزب وزعيمه مثل الفساد والضغط على حرية التعبير وغيرها من الحريات العامة. ردّوا: "الحكم الطويل في الزمن يفتح الباب أمام الفساد أحياناً. وهذا أمر يحصل في دول العالم كلها. كما تحصل تحرشات واعتداءات على حريات التعبير المتنوعة. ويحصل على ذلك احتجاج. مثلاً الآن هناك احتجاج يتعلق بحماية حقوق المرأة، فقبل 200 سنة كانت حقوق المرأة غير مسلَّم بها، وكانت ممارسة العنف معها أمراً مسلَّماً به. الآن كل ذلك غير مسلَّم به ولا مقبول. طبعاً حصلت انتهاكات وارتُكبت أخطاء، لكن أهمية الديموقراطية انها تفسح في المجال أمام الاعتراض بالتظاهر أو بوسائل أخرى، وذلك يُخرِج المرض فتظهر عوارضه، الأمر الذي يجعل معالجته ممكنة".
ماذا عن تركيا والأكراد؟ سألتُ. أجابوا: "مَن ينظر الى المشكلة الكردية في تركيا، وهي مزمنة، يعرف أن أموراً كثيرة تحققت، وأن مطالب عدة تمّت تلبيتها مثل استعمال الأكراد لغتهم والتعليم وغير ذلك. لكن كلما حصل المطالبون على مطلب أو أكثر يطالبون بالمزيد، وهناك نوع من انطباع يفيد أنك لو لم تسلك سبيل العنف والسلبية وحتى الارهاب لما حصلت على مطالبك أو بعضها. وهذا أمر غير صحيح. لا بد من اعتماد الحوار والديبلوماسية لحل هذه المشكلة. كما قلتُ سابقاً حصلت محاولات تفاوض مع الأكراد، ليس مع حزب العمال الكردستاني مباشرة (P.K.K) ولكن مع ناشطين أكراد، أثمرت وهي لا تزال مستمرة. في النهاية، نحن دولة ديموقراطية تعددية. المهم ان تكون هناك مساواة في الحقوق والواجبات في ظل دولة علمانية. نعتقد أن أكراد تركيا وهم الأكثر تغرُّباً (Westernised) في البلاد مع البقاء مواطنين أتراكا أي داخل الوطن التركي لأن دولة حديثة قامت فيه وديموقراطية وعلمانية". ماذا عن تركيا وأكراد العراق؟ سألتُ. أجابوا: "علاقتنا (أي تركيا) جيدة بهؤلاء. وقد حققوا لأنفسهم وضعاً قوياً في العراق (حكم ذاتي) واقليمهم غني، ولا أعتقد أنهم يؤيدون دولة تضم أكراد المنطقة كلهم لأنهم لا يريدون أن يشاركهم آخرون وان أكراداً في ثروة بلادهم. على كل حال لن تقوم دولة كردية واحدة تضم أكراد العالم كلهم. ولن يقبل بها أحد لأنها تهدد الكيانات القائمة جغرافيةً وحدوداً. وجميعهم يعرفون ذلك. ويبدو أن أكراد العراق وصلوا الآن الى هذه النتيجة أو هذا الاقتناع. والأسباب عديدة منها الثروة ومنها النصائح الأميركية". ماذا عن أكراد سوريا؟ سألتُ. أجابوا: "نحن مع حصول أكراد سوريا على حقوق المواطنة كاملة أي تساويهم وعلى نحو تام مع مواطنيهم السوريين. الأكراد العراقيون موجودون جغرافياً في منطقة واحدة جبلية في معظمها ومنيعة. ساعدهم ذلك على القيام بثورات وعلى الوصول الى الوضع الجيد الذي هم فيه اليوم رغم الحكم الاستبدادي الذي عاشوا في ظله. أما أكراد سوريا فإنهم يعيشون في ثلاث مناطق غير متصلة جغرافياً، وبينهم تنافس وعداوات. طبعاً نحن كأتراك لسنا معنيين بأكراد سوريا. لكن نصحناهم بأن يتفاهموا مع المعارضة لنظامها وأن "يعملوا" حواجز مشتركة مع فصائلها. وجغرافية مناطقهم منبسطة ليس فيها مجال للصمود واختراقها ممكن من قبل الجميع".
ماذا حصل بين تركيا أردوغان وسوريا الأسد؟ سألتُ.
الحكم المزمن يفتح الباب للأخطاء
الحكم المزمن يفتح الباب للأخطاءسركيس نعوم
NewLebanon
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
667
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro