ليس واضحاً بعدُ مآل المباحثات الإيرانية السعودية في ما يخصّ الانتخابات الرئاسية اللبنانية. ولا هي واضحة قدرة التأثير الأميركي والفرنسي دفعاً لاختيار مرشّح معيّن.
فما يُسرّب وما يجري التداول به يبدو حتّى الآن مرتبطاً بسيناريوهات مختلفة، تشمل مرشّحَين من موظّفي الفئة الأولى، وأسماء سياسيّين من المرشّحين "الدائمين"، وميشال عون.
على أن اللافت في الإخراج المُعدّ للسيناريوات المذكورة، هو التركيز على اعتبارها جميعها "توافقية". وهذا يعني أن العماد عون، حليف حزب الله والنظامين السوري والإيراني منذ العام 2006، يُسوَّق أيضاً بوصفه على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
ولتبرير الأمر، يدّعي بعض المسوّقين أن ميشال عون الرئيس غير ميشال عون المعارض، وأن ما ستفرضه رئاسة الدولة على عون سيُبعده تدريجياً عن حلفائه السابقين وسيجعله حريصاً على العلاقات الغربية والخليجية.
كما أن صفقة الإتيان به ستترافق مع عودة "تيار المستقبل" الى رئاسة الحكومة، وهو ما سيخلق توازناً في السلطة التنفيذية، وكلّ ذلك سيؤدّي الى خلط أوراق في المجلس النيابي يسبق التحضير لانتخابات تشريعية جديدة قد لا تكون تحالفاتها هي نفسها تحالفات العامين 2005 و2009.
لكن المسوّقين لهذا الترشيح والمُستبقين لاحتمالات تبريره إن عُقد العزم خارجياً عليه (ولا يبدو الأمر مرجّحاً حتى الآن رغم الإشاعات) يتناسون أمرَين ويتوهّمون أمراً ثالثاً ليس لهم فيه أصلاً.
الأمر الأوّل، أن ميشال عون يُعبّر في اللحظة الراهنة عن ميل لدى قسم من المسيحيين الى التحالف المرحلي مع القوى الشيعية اللبنانية ومع حليفيها الإقليميّين، بحجّة الخوف من التيارات الإسلامية السنية.
وهم يرون في التحالف هذا كذلك إضعافاً للخصم السني – الحريري الذي انتزع بواسطة اتفاق الطائف بعض صلاحيات الرئاسة المارونية، والذي انتزع بواسطة علاقاته العربية والدولية وثقله المالي بعضاً من الأدوار الخارجية والداخلية التي كان للنخب السياسية المسيحية الشأن الأول فيها.
وهذا يجعل عون "التوافقي" مثله مثل عون "الصدامي" في موقع تمثيل مزاج شريحة واسعة من المسيحيّين يستمدّ قوّته السياسية منها ولا سبب يدفعه لتغيير الأمر في ظلّ حاجته لها في وجه خصومه، المسيحيين تحديداً.
الأمر الثاني، وهو ربّما الأهم، أن حزب الله لا يأبه كثيراً ببعض التنازلات أو المقايضات، ولا ببعض التعديل في الخطاب ومفرداته، طالما أن سلاحه "غير مهدّد باستهداف سياسي داخلي"، وطالما أن انخراطه في القتال السوري بموجب القرار الإيراني غير مهدّد أيضاً.
وهذا ما يستطيع ضمانه من عون الذي سبق وعبّر مع أعضاء تياره وكتلته النيابية عن دعمه لقتال حزب الله في سوريا لأنه "يحمي لبنان من التكفيريين"، و"يحمي المزارات الشيعية (والمسيحية) من مخاطر التعرّض لها على يد التكفيريين إياهم". كما أن الدفاع عن سلاح الحزب بوصفه "ضمانة ضد التوطين الفلسطيني" وضد الاعتداءات الإسرائيلية كان من أبرز المواقف العونية على مدى السنوات الماضية.
أما الأمر الثالث، التوهّم، فيكمن أولاً في اعتبار إيران وحزب الله على مقدار من السذاجة يُتيح إيقاعهما في فخّ الثقة بعون ثم العمل لسحبه منهما، أو على الأقل لإبعاده عنهما. ويكمن ثانياً في افتراض أن من يصل الى كرسي الرئاسة سيقبل بالابتعاد على حليفه الأسبق، في وقت يُعدّ هذا الحليف الطرف اللبناني الأقوى (لسلاحه) في المعادلة الوطنية.
في أي حال، وبمعزل عن ترشيح العماد ميشال عون والحسابات تجاهه، يذكّرنا الاستحقاق الرئاسي مرّة جديدة بالعقم الذي أصاب الطبقة السياسية اللبنانية، وبعجز أركانها عن إيجاد الحلول للأزمات، أو حتى لإدارتها ضمن مؤسسات الدولة. كما يذكّرنا بأن الفلسفة التوافقية للنظام التي لم يعد فيها من "التوافق" الكثير، صارت في ذاتها ولّادة أزمات مديدة واستعصاءات عديدة، لن يكون انتخاب رئيس جديد للجمهورية آخرها.