لطالما كان يُعتبر سعد الدين الحريري على المستوى الشخصي هو الحلقة الأضعف بين " فيلة " السياسة اللبنانية المخضرمين، فلا شك بان استشهاد الوالد وضعه في مكان لم يكن ليستطيع هو او أي بديل آخر لملء فراغ خلّفه غياب غير متوقع لشخصية بحجم رفيق الحريري.
ولطالما استشعر المراقبون ، خصوما كانوا او حتى أصدقاء بتهافت الأداء السياسي لتيار المستقبل مما أوصل هذا التيار الى لحظة يكون فيها رغم حجم تمثيله الكبير بان يكون خارج السلطة والأكثر من ذلك ما صار يحكى عن "انفراط " لقواعده الشعبية، لمصلحة التطرف السني مرة، وللضياع مرات أخرى .
الا انه ومنذ فترة غير بعيدة بدأنا نتلمس تحولا واضحا، وأداءا جديدا مختلفا تماما، اداءا جعل من سعد الحريري لاعبا أساسيا تكاد لا تفرقه عن اللاعبين الكبار ان لم اقل انه تفوق على بعضهم في أماكن معينة.
فها هو يعود الى السلطة بصقوره وبشروطه، ويثبت كل يوم حاجة الافرقاء للوقوف على رغباته وما يريد، واكثر ما هو ملفت في هذا السياق طريقة مقارباته للاستحقاق الرئاسي الذي انما ينم عن براعة عالية لم نكن نشهدها من ذي قبل، فقد استطاع من خلال انفتاحه على ميشال عون و"زت " طعم الايحاء باقتراب ابرام صفقة رئاسية معه، ابتلعه سريعا الجنرال المجرب وفريقه مما دفع بهذا الأخير الى خلع كل ثيابه العتيقة واستبدالها بأثواب لا تليق برجل ثمانيني مما اثار حفيظة حتى حليفه المقرب حزب الله ، وفي اثناء لحظة " التعري " هذه، يعلن سعد الحريري الوقوف الى جانب ترشح حليفه سمير جعجع كمرشح وحيد لقوى 14 اذار من دون ان يقفل الباب نهائيا مع ميشال عون بل تركه في الممر لا هو الى هؤلاء ولا الى هؤلاء مما سمح لهذا الكم من التسريبات والمواقف المتناقضة عند فريق 8 اذار !!
فقد استطاع سعد الحريري ان يدمّر صورة ميشال عون عبر تحويله الى متسول رئاسة بدون ان يعلن بشكل حاسم عن رفضه له، وهو العارف ان هذا الرفض انما هو رغبة دفينة عند حلفاء الجنرال لم يحققها لهم واستطاع ان يُفهم الجنرال بان حلفاءه انما يعطونه من اللسان حلاوة لا تسمن ولا توصل الى بعبدا تاركا بذلك الإعلان عن إزاحة الجنرال كمرشح ، للحلفاء انفسهم ، مما يعني هذا من شرخ عميق في صفوف الخصوم سوف نشهد تداعياته في القادم من الأيام،
لا اعرف ماذا طرأ من جديد جعل السلوك السياسي عند سعد الحريري يبدو بهذه الدرجة العالية من الاحتراف قياسا على المرحلة السابقة، الا ان الثابت هو وجود سعد الحريري آخر ,, ان كان من حيث الأداء او حتى من حيث " اللوك " .