كم هي مصاعب الحياة . كيف يمكنك ان ترى مناضلا يتغلب على كل الهزائم بضحكة وابتسامة صغيرة ليقول: ننهي نضالنا هنا لنذهب الى مكان اخر ومهمة نضالية جديدة في عالم اخر.
الالف من المناضلين الذي باتوا يعيشون في عالم الاغراب، وفي المنفى الآخر من العالم .هل هي رزمة نضالية جديدة يحاول بها الرد على هذه الهزائم؟. هل هذا هو ثمن النضال الذي كتب "علينا وعلى اجيالنا دون معرفة افقه ألازوردي الذي يسمى نضال الشباب والشعوب :"نضال، نضال، نضال".
لا اتذكر كيف تعرفت اليه ،ولكني عرفته مناضلاً مقداماً يحمل البندقية ويتوجه نحو الصفوف الامامية ،فدائيا ،محاربا، في القرى والضيع اللبنانية حاملا شعاره الذي لايزال مصراً عليه:" التحرير وحق العودة الى الديار المحتلة" .
حلم راود الكثيرين من الذي قضوا نحبهم في طريق النضال وصولا الى تحقيق الهدف في العودة للأهل والشعب، والانتهاء من حياة اللجوء االتي اتعبتهم وأنهكت قواهم جميعا.
التقينا في خنادق لبنان مناضلاً فلسطينياً يحلم بالحب والعودة ،مقاتلاً فلسطينينا يتنقل من قرية الى قرية في جنوب لبنان ،وفي المخيمات، يلتحف السماء ويفترش الارض من اجل فلسطين وحلم العودة ،عاد الى سورية ليعيش فيها ،في مخيم اليرموك، ليناضل من جديد وبطريقة اخرى الى جانب اطفاله الذين اطلق عليهم اسماء لشهداء ورفاق كانوا الى جانب مسيرته النضالية والقتالية .
بعد تخرجه من الجامعة في دمشق اصبح كاتباً وصحافياً، واختار القتال بطريقة اخرى في الصحافة العربية والفلسطينية، فكانت كلاماته الدائمة على صفحات مجلة "الحرية" قد تحولت الى كتب يقوم بطبعها وينشرها، هذه الكتب كانت جميعها تحمل شعاره الاساس كما حال ابناء بلده"العودة الى ارض الاباء والأجداد".
تعرفت عليه في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كان يساريا ومازال ،التقيته في سورية في مجلة "الحرية" ،ثم فيما بعد في روسيا بعد ان كانت اقامتي هناك، حيث عملنا سويا في قناة "روسيا اليوم" .
وكانت الصدفة مكن جديد، اذ التقيت به في لبنان في تلفزيون "فلسطين اليوم"، حيث كان يعد برنامجا اسبوعيا عن فلسطين ،ويكتب عنها في الصحافة المحلية .
وبعد تطور الازمة السورية وانتقال الحرب الى مخيم اليرموك جاءت عائلة ابو يزن "مصطفى قوق" لتعيش معه في بيروت هرباً من ذلك الجحيم، لكن ظروف الحياة هنا ايضاً اشتدت عليه ولم تترك له فسحة امل الاً بالخروج نهائيا من لبنان . شاهدت صوره يودع الجميع ويودع المحطة التلفزيوية لينتقل الى مكان اخر في الدنيا، ليوم نضالي جديد ومهمة جديدة في الحياة.
حين نظرت الى صورته المنشورة على "الفيس بوك في اول ايار \مايو ، عرفت ان ابا يزن انهكه الدهر وغادر ليمضي شيخوخته في مكان اخر من بقاع الارض، ربما من اجل اولاده ويحاول ان يؤمن لهم مكانا لم يعد باستطاعته تأمينه .
فهل نلتقي مجدداً في منافي الدنيا، ويكون الحلم القادم، هو صاحب الصدفة النهائية .لأننا تعودنا يا صديقي ابا يزن ان نلتقي كل مرة دون موعد مسبق، وربما سأتعب انا قريبا يا صديقي من هذه الحياة بالرغم من كوني لم اصب باليأس والقنوط بعد ،لكنني متعب كما تفضل ان تقول دائما.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كما من ابي يزن يجول في عالم الاغتراب املا بالحصول على نهاية سعيدة كان يأملها في بلده ، الحياة متعبة جدا العمر قصير، ولم يعد هناك متسع من الوقت سوى للراحة الاخيرة في بلاد العالم الشمالي في السويد.
كان العالم كله يقبض على انفاسنا ويمنعنا من التنفس ،فهل سيكون مصيرنا جميعا مصير صديقي اي الترحال الدائم بحثاً عن الامان، في مكان يحترم الانسان نضاله، ويكرسه انساناً ذي قيمة ومعترفاً بكامل حقوقه . انه القدر: الترحال الدائم بحثاً عن الحرية والكرامة...
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث اعلامي مختص بالإعلام السياسي والدعاية