ثمة سلاح تم إدخاله في السنوات الأخيرة إلى حلبة السجال مع "حزب الله". إنه سلاح "العائلات"، وهو وإن كان وهمياً لكن له وظيفة محددة لا يصلح في غيرها. "حزب الله" يستخدم هذا السلاح في مواجهة خصومه الشيعة، وهو سلاح على رجعيته، لكن استعماله أيضاً يخلو من النزاهة، ذاك أن الضحية حياله في مواجهة "ليزر غان". ولمن لا أطفال لديه ليثقفوه بمعنى عبارة "ليزر غان"، فهي تعني البندقية التي ينبعث منها شعاع غير مرئي وغير محسوس لكنه مُسمٌ وقاتل. فما إن تخرج الطريدة الشيعية من القطيع الطائفي، حتى يتطوع أشاوس العائلات، وهم غالباً هوامشها، إلى إشهار الـ"ليزر غان" في وجهها.
"العائلات" ليست وحدات متجانسة، ولهذا يسهل إصدار البيانات باسمها. البيان الموقع منها لا يُرد. هو لا شيء فعلاً، لكنه قاتل أيضاً. وفي ثناياه ما يُغري الصحف لنشره. شيء غامض فعلاً وراء جاذبيته. شعورنا بأنه قاتل ربما، أو بأنه لا شيء. "أصدرت عائلة غدار بياناً تتبرأ فيه من حنين غدار"، هل من شيء غير حقيقي أكثر من هذه العبارة؟ من الذي أصدر البيان من آل غدار؟ لا تسأل الصحيفة ناشرة الخبر! المهم أن سُماً بين يدي المحرر، وأن شهية قتل تلوح في مخيلته.
قبل نحو 5 سنوات نشرت صحيفة لبنانية كبرى، وهي بالمناسبة غير مقربة من "حزب الله"، بياناً موقعاً باسم "علماء الدين من آل الأمين" يُعلنون فيه تبرؤهم من مفتي صور وجبل عامل في حينها السيد علي الأمين. وبعد نشره التقى رجال الدين من آل الأمين واستغربوا صدور البيان باسمهم. كان بعضهم من خصوم المفتي سياسياً وبعضهم من غير خصومه، لكنهم أجمعوا كلهم على أن البيان لا ينطق باسمهم. طلب مني عمي، وهو رجل دين ممن التقوا واستغربوا صدور البيان، أن أسأل الصحيفة عن مصدر البيان الموقع باسمهم، فاتصلت بنائب رئيس تحرير الصحيفة، وهو صحافي له من الخبرة أكثر من أربعين عاماً، فكان جوابه على النحو التالي: "هل يعتقد السيد علي أن حزب الله سيتركه بحاله"، وقال ناصحاً: "يمكن أن ننشر توضيحاً ولكن من الأفضل للأمين أن يترك القضية لتنطفئ لوحدها وأن لا يُثيرها بنفي يُعيد تشغيلها".
هنا تكمن قوة الـ"ليزر غان"، أي أنها تُقيم في وعي صحافي له من الخبرة أكثر من أربعين عاماً، فتمنعه من التساؤل عن مصدر الخبر، والتحقق السهل من صحته. وتكمن قوته أيضاً في سهولة التخفف من المسؤولية عنه، ذاك أن آلية عمله وهمية. تبدأ باستدراج "العائلات"، وهي وحدات اجتماعية غير حقيقية وغير مبلورة، عبر دس خبر صغير و"بريء" يستفز في "العائلة" هوامشها، فيصدر بيان لا تعرف العائلة في الغالب مصدره، تنشره صحف إما غبية أو خبيثة، ويُصبح نفيه أمراً معقداً.
الأرجح أن لا تكون لـ"حزب الله" علاقة مباشرة بدوامة البؤس هذه. المتطوعون للمهمة من "العائلات" يُخاطبونه من تلقائهم بهذه البيانات. الصُحف بدورها تنشرها مُدركة أنها تتودد اليه، والعائلات لا تنفيها خوفاً منه، على رغم أن هذه البيانات تُمزق ما تبقى من صلات الأرحام.
الشفاء الوحيد من سُم الـ"ليزر غان" هو أن نحول عائلاتنا في وعينا الى قبائل من أطفال يُضحكهم الشعاع المنبعث من تلك البنادق البلاستيكية. أن تبتسم حنين لـ"ابن عمها" مُصدر البيان، إذا كان صحيحاً أن وراء البيان ابن عم ما، وان تعتقد أن دافعه ليس أكثر من استجداء رضا.