من سيكون مسؤولاً عن إحداث فراغ في أعلى منصب في الدولة؟ هذا السؤال سيظل مطروحاً من الآن حتى 25 أيار، والمسؤول سيكون حسابه عند الله والوطن والتاريخ.
لقد حضر نواب 14 آذار جلسات انتخاب رئيس للجمهورية وغاب عنها نواب 8 آذار باستثناء نواب كتلة الرئيس نبيه بري على رغم التحالف القائم بينهم وبين كتلة نواب "حزب الله"، في حين أن نواب "تكتل التغيير والاصلاح" غابوا عنها تضامناً مع هذا الحزب ولم يلتزموا موقف بكركي. وقوى 14 آذار رشحت الدكتور سمير جعجع للرئاسة الاولى ولم ترشح قوى 8 آذار أحداً منافساً له كما تقضي اللعبة الديموقراطية إنما رشحت أوراقاً بيضاً أنزلها نوابها في صندوق الاقتراع وبينها أوراق تنبش القبور... ووصف مسؤولون في "حزب الله" ترشيح جعجع بأنه استفزازي وينبغي سحب ترشيحه للبحث عن مرشح مقبول. فمنذ متى كان يحق لحزب التدخل في من يرشحه حزب آخر ويتخذ من ذلك ذريعة لتعطيل النصاب، في حين أن حقه هو في عدم انتخابه بل انتخاب من يشاء. وذهبت قوى 8 آذار في سياسة التعطيل وإحداث الفراغ حد اشتراط التوافق أولاً على مرشح مقبول للرئاسة تأميناً للنصاب وهو ما لم يحصل في تاريخ الانتخابات الرئاسية لأن النواب هم الذين ينتخبون من يشاؤون عند انعقاد الجلسة لا أن يتم الاتفاق على المرشح قبل انعقادها فيصبح انتخابه عملية شكلية.
أما الدول الشقيقة والصديقة فأجمعت على الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وحذّر بعضها من عواقب حصول فراغ في منصب الرئاسة الاولى، لكن تبين أن بعض هذه الدول لا يرى في 25 أيار موعدا مقدساً للانتخاب وانه يمكن اجراء الانتخاب في موعد آخر، ما يدل على أن النواب الذين يتاثرون بموقف هذه الدول يواصلون مقاطعة جلسات الانتخاب ليجعلوا رئيس جمهورية لبنان من صنع الخارج ووفق ما تقضي به مصالحها...
معلوم أنه كانت للخارج يد في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، لكن هذا الخارج كان يتدخل لانتخابه ضمن المهلة الدستورية وليس بعد انتهائها كما يخشى أن يحصل اليوم ويتعرض لبنان من جراء ذلك لشتى الاخطار.
لذلك، فان النواب إذا كانوا يريدون فعلاً لا قولاً انتخاب رئيس للجمهورية ويكون من صنعهم، فما عليهم سوى حضور كل جلسات الانتخاب والاقتراع لمن يشاؤون من مرشحين معلنين وغير معلنين ليؤكدوا احترامهم للمؤسسات الدستورية وقيامهم بواجبهم الوطني بحكم الوكالة المعطاة لهم من الشعب والتزام ما اعلنوه في بكركي خريطة طريق اخلاقية كما جاء في بيان المطارنة. فينبغي من الآن حتى 25 أيار عقد جلسات متواصلة الى ان يعلن فوز من ينال الاكثرية النيابية، وما عدا ذلك فإن من يتغيب عن الجلسات من دون عذر مشروع يكون مسؤولاً أمام الله والوطن والتاريخ ويكون يخدم من حيث يدري أو لا يدري مصالح دول خارجية. وعندما يصبح اخيتار رئيس للجمهورية من صنع الخارج فمعنى ذلك أن هذا الاختيار لن يكون إلا في مصلحة الدول التي اختارته وقد لا يكون في مصلحة لبنان، فضلاً عن أن هذا الاختيار قد يطول إذا ما ربط بتطور الاوضاع في سوريا وفي العراق وفي مصر وفي ايران، وربما في أوكرانيا، او بانتظار نتائج المحادثات السعودية. الايرانية، اذ يكون لبنان خلال هذه الفترة قد تحمل ما لا قدرة له على تحمله وبالأخص مالياً واقتصادياً بسبب لجوء أكثر من مليون سوري اليه ولم يحصل حتى الآن لتحمل اعباء هذا اللجوء إلا على القليل القليل من المساعدات التي وعد بها.
إن مسؤولية تأمين النصاب تقع على نواب "تكتل التغيير والاصلاح"، اذ عليهم حضور الجلسات كما فعل نواب كتلة الرئيس بري على رغم التحالف القائم بينهم وبين تكتل نواب "حزب الله"، وان عليهم الاقتراع لمن يشاؤون سواء من داخل قوى 8 آذار أو من خارجها. فالمرشح الذي يستطيع أن يخرق صفوف هذه القوى وصفوف قوى 14 آذار لا شك في أن حظوظه بالفوز تكون كبيرة، والمرشح الذي يستطيع كسب أصوات نواب كتلة جنبلاط إذا تعذر عليه خرق صفوف 8 و14 آذار تكون حظوظه بالفوز كبيرة أيضاً. فلماذا لا يكون مجلس النواب هو المكان الطبيعي لخوض معركة الانتخابات الرئاسية وتكون الكلمة الفصل للاكثرية المطلوبة عوض البحث عن مكان آخر أو انتظار كلمة السر تهمس بها هذه الدول أو تلك ليولد الرئيس؟ وإذا كان لا بد من هذه الكلمة فلماذا لا يهمس بها ضمن المهلة الدستورية وليس بعد انقضائها؟ فهل يحضر نواب "تكتل التغيير والاصلاح" جلسات الانتخاب لأن حضورهم يؤمن النصاب ولا يحملهم مسؤولية تعطيله ويكون لهم فضل صنع الرئيس في لبنان؟