عشية الجلسة الانتخابية الرابعة المتوقعة اليوم ، غير المكتملة النصاب، وعلى مسافة عشرة أيام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تغرق البلاد في التوقعات المتناقضة حيال مصير الاستحقاق، بين متفائل بإمكان حدوث معجزة على غرار تلك التي ادت إلى ولادة حكومة الرئيس تمام سلام بعد مخاض عسير استغرق أكثر من عشرة أشهر، ومتشائم حيال تعذر إنضاج توافق داخلي بدفع خارجي يؤدي إلى إنجاز الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية له.
يقف رئيس الحكومة تمام سلام إلى جانب المتفائلين. ويعرب أمام زواره عن اطمئنانه إلى أنه لن يكون هناك شغور في سدة الرئاسة الاولى، ويعزو انطباعه هذا إلى جدية المساعي والجهود المبذولة من أجل إنجاز الاستحقاق، مشيرا إلى انه من الطبيعي ان تتسارع هذه الجهود في الايام القليلة قبل موعد الاستحقاق تحت ضغط المهل. ويرى في المناخ الاقليمي عاملا مسهلا من شأنه أن ينعكس إيجابا على الوضع اللبناني الداخلي.
ولا يخفي سلام في المقابل تخوفه مما قد تؤول اليه الاوضاع إذا انقضت المهلة الدستورية وتعذر انتخاب رئيس جديد. ومرد تخوفه إلى الموقف الذي قد يلجأ إليه أحد المكونات المسيحية حيال تعطيل العمل الحكومي والتشريعي، وأن يجر إليه المكون الآخر في إطار المزايدات التي قد تعطّل العجلة التي انطلقت مع تشكيل الحكومة.
لا توافق مراجع حكومية سابقة رئيس الحكومة على تفاؤله. بل تذهب في نظرة أكثر تشاؤماً تفضل أن تصفها بـ"الواقعية" إلى حد استبعاد تغير المشهد المحلي في المدى المنظور.
لا ترى هذه المراجع في الحركة السياسية النشطة محليا أو خارجيا ما يشير إلى إمكان حصول خرق أو معجزة على غرار ما حصل مع تشكيل الحكومة. فالظروف التي أملت تشكيل الحكومة لم تعد قائمة اليوم في رأيها. والوضع في سوريا لم يعد كما كان في تلك الفترة. و"حزب الله" تجاوز حال الارباك التي سبق أن وقع تحت وطأتها، ودفعت به الى السير بتشكيل الحكومة بسبب حاجته في ذلك الحين إلى الغطاء لانخراطه في الحرب في سوريا.
ويبدو من الانجازات التي حققتها الحكومة في فترة قياسية من عمرها أنها وُجدت لتتولى المسؤولية في مرحلة الفراغ المرتقبة، بحيث يجري التحضير بدقة لإعادة رسم الخريطة السياسية بناء على التوازنات الجديدة التي فرضها المشهد السياسي والطائفي في البلاد.
لا تعول المراجع المشار اليها كثيرا على التقارب السعودي – الايراني المستجد. فالطلب الايراني لزيارة المملكة العربية السعودية ليس جديدا، بل يعود الى اشهر خلت، وتحديدا عقب انتخاب الرئيس الايراني حسن روحاني واعتماده سياسية الانفتاح على دول الخليج العربي، وقد زار وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في تلك الفترة كلاً من الامارات وقطر والكويت وسلطنة عمان، باستثناء المملكة التي لم تحدد موعدا له الا أمس. علما أن الدعوة السعودية الآن ليست في الواقع الا استجابة للطلب الايراني، وإن بصيغة تضع المملكة في موقع المبادر.
ليس لبنان على الاجندة السعودية – الايرانية راهنا، وفق قول المراجع. فالاولوية للملف النووي الذي استأنفت إيران اخيرا المفاوضات في شأنه مع الدول الخمس الكبرى وألمانيا. والاولوية الثانية لملف العلاقات الخليجية والعربية. ولا يبدو في الافق أن ثمة إمكاناً للحظة إقليمية تتيح إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وخصوصا أن أي فريق في لبنان لا يريد هذا الامر، ولكل منه حساباته الخاصة في هذا الشأن. كما أن مواصفات الرئيس المقبل ستكون محكومة بالمرحلة المرتبطة حكما بالمشهد السوري من جهة، والعراقي من جهة أخرى، والمصري من جهة ثالثة. ومعلوم أن الغرب ليس مستعجلا لحل الازمة السورية.
وعند الحديث عن مواصفات الرئيس المقبل، يحلو لأحد السياسيين القريبين من فريق 8 آذار رسم صورة تؤشر لخيارين يجري حاليا التسويق لهما في كواليس الرئاسة، بعدما أجهضت المعارك الوهمية الاخيرة حظوظ مرشحي اصطفافي 8 و14 آذار.
فالضغط المفتعل للتحرك النقابي بهدف تسليط الضوء على الملف الاقتصادي والمالي يدفع نحو تعزيز حظوظ المعايير الاقتصادية للرئيس المقبل، حيث يبرز اسم حاكم مصرف لبنان. اما الدفع نحو الفراغ وربط الملف اللبناني بالملف السوري، فسيعزّز الدفع في اتجاه إيلاء الامن الاولوية القصوى، بحيث تصبح معايير قائد الجيش العماد جان قهوجي الاكثر حظاً، فيما يجري العمل على "حرق" المرشحين المحتملين الآخرين تدريجيا لحسابات داخلية.
لكن أكثر ما يقلق الوسط النخبوي المسيحي الصامت، هو أن تنقضي مهلة الاستحقاق من دون انتخاب رئيس، فيخسر المسيحيون فرصة لبننة استحقاقهم والقدرة على اختيار الرئيس لمصلحة القرار الخارجي، كما هي حال الاستحقاقات الكبرى في لبنان.