بدأت فاعليات منتدى الدوحة أعمالها اعتباراً من صباح الثلثاء، وعلى جدول أعمالها مواضيع سياسية وأمنيّة واقتصادية وإعلاميّة. وجرى الإفتتاح مساء الاثنين في حضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتحدث في المناسبة كلّ من وزير الخارجية الشيخ خالد بن محمد العطيّة، ونائب رئيس الأرجنتين أمادو بودو، وممثل الرئيس السوداني عبد الرحمن الصادق المهدي، ورئيس جمهورية البانيا رجب كمال ميداني، ورئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دو فيلبان.إنطلقت أعمال المنتدى في ظلّ متغيّرين: إنهيار المنظومة الدفاعيّة في العالم العربي، إنهاك الجيش السوري، وقبله العراقي، وتوريط الجيش المصري في الخلافات الداخليّة، والتخلّص من السلاح الكيماوي... ثم انهيار التحالفات التقليديّة في زمن الربيع العربي، وغياب الإستراتيجية الملزمة إن على مستوى الجامعة، أو على مستوى مجلس التعاون، وانتعاش الانتفاضات التي كرّست الأحاديّة، ودفعت بكلّ دولة الى الانغلاق والتقوقع دفاعاً عن مصالحها بإمكاناتها الذاتيّة.

أسماء بارزة في السياسة والإقتصاد والإعلام، فضلاً عن مراكز الدراسات، توزَّعت على ورش عمل تحت عنوان «إثراء المستقبل الإقتصادي للشرق الأوسط»، حاضرَت وناقشت، وقالت كلمتها في الشؤون والشجون والتطلعات، وقدمت مقاربات، وسلطت الأضواء على مقترحات الحلول.

كان الجامع المشترك واقع الحال، والتغيير غير الخلّاق الذي يضرب الأمة. إحتلَّ النفط مكانه في عصب التحوّل، كانت عائداته مرصودة للتنمية، تحوّلت الى السلاح، والسلاح الى خردة، قبل أن يكلّف بوظيفة جديدة، قتل أطفال الأمة ونسائها وشيوخها وشبابها بإسم التغيير، والديموقراطيّة، وحقوق الإنسان العربي.

السلاح في يد العربي، لقتل العربي، وتدمير الحضارة والإقتصاد. إنه النموذج لثقافة الخراب والدمار، النفط يموّل السلاح والمسلحين، والنفط يموّل أعمال إغاثة النازحين، والمنكوبين، والمصابين، والمتضررين. أصبحت التنمية مقتصرة على بلسمة جراح الأمة الذاهبة نحو الانتحار والتشتت؟!.
وضع المنتدى الأصبع على أكثر من جرح، ليس المهم الأفكار البنّاءة، هناك الكثير منها، لكن واقع الأمة لا يسمح. إنعطب المجتمع وتبعثر بين منعطفات خطيرة، هذا معتدل، وذاك متطرّف، وهذا أقلوي، وذاك أكثري.

عنف مستشر، واتهامات متبادلة، وغَزوات أين منها الغزوات القبليّة، وفي ظلّ غياب الأساسات المتينة، يتوقف البناء، ومعه القدرة على مواجهة التحديات. لا بدّ من إعادة نظر في كل شيء وعلى مقدار عالٍ من الوعي لأنّ الإستعمار الجديد لم يأتِ بغزواته ودباباته، بل ترك المهمة للمواطنين يتكفّلون بتحقيق الأهداف والغايات لتصبح مصائر الشعوب والدول طواعية بين يديه.

هناك إضاءات وبواعث انفراج تنطلق من التفاهمات الإقليميّة التي بدأت، وإن بوتيرة هادئة. في منتدى الدوحة انعطافة نحو الضمانات ونوعيّاتها ومصادرها في ظل الإستقطاب الدولي الذي تخلّفه الإنتفاضات، والثورات الداخليّة التغييريّة. هناك إقرار بقدرة الولايات المتحدة الأميركية، وارتياب حول صدقيتها. تنسحب ساعة تريد، ووفق ما تقتضي مصالحها تاركة الساحة والضحيّة في وسطها تتضرّج بدمائها.

التوجّه نحو حوارات وتفاهمات بين الدول الشرق أوسطية شيء من الضمانات المقترحة، فتح صفحة جديدة من العلاقات بين دول مجلس التعاون وإيران مشروع قائم على رغم الهواجس والمخاوف، بناء شبكة من الأمن والأمان والإستقرار في المنطقة لضبط الغرائز، ومواجهة الإرهاب، والحدّ من الإنهيار، أمر مشروع وممكن، بدأ العمل على إنجازه عن طريق بناء شبكة جديدة من المنافع والمصالح الإقتصاديّة الحيويّة المشتركة بين دول الجوار.

في كواليس المنتدى كلام كثير عن لبنان: الخليجيّون عائدون، وبمقدار ما يتوافر الأمن تتوافر الكثافة، الأمن من منظارهم يتقدم على السياسة، ومع ذلك هم معنيّون بالإستحقاق الرئاسي، وملمّون بالتفاصيل الى حد أن بعض الجديد المتوافر لديهم لم نسمع بوقائعه وحيثياته في بيروت.

لبننة الإستحقاق تعنيهم كثيراً، «لكن هل لَبننتم تأليف حكومة المصلحة الوطنيّة التي أنتجتها المصلحة السعوديّة الإيرانيّة؟!. والغريب أنكم تنادون باللبننة، فيما كل شيء مدوَّل في لبنان، الأمن (اليونيفيل)، والقضاء (المحكمة الدوليّة) والإقتصاد (الرقابة الدولية على الحركة المصرفيّة) فلماذا لا يكون الإستحقاق الرئاسي أيضاً ؟... إنه لكذلك، وعليكم الإنتظار بعض الوقت لكي تصبح ظروفه ناضجة ؟!».