يحتفل لبنان في الخامس والعشرين من شهر ايار(مايو) من كل عام بذكرى تحرير معظم الاراضي المحتلة في جنوب لبنان، وقد كان لحزب الله والمقاومة الاسلامية دورا اساسيا في تحقيق هذا الانتصار العظيم ، وقد تلا ذلك الانتصار الذي تحقق في حرب تموز(يوليو) 2006 عندما نجحت المقاومة الاسلامية في مواجهة العدوان الاسرائيلي والذي استمر 33 يوما.
لكن بعد هذين الانتصارين العظيمين دخل حزب الله في صراعات داخلية على الصعيد اللبناني واتخذت هذه الصراعات بعدا مذهبيا قاسيا، وتلا ذلك مشاركة حزب الله في الصراع الدامي في سوريا الى جانب النظام السوري تحت عناوين مختلفة، وكل ذلك ترك انعكاسات سلبية على صورة ودور حزب الله على الصعيدين العربي والاسلامي.
ومع ان قادة الحزب يقدمون اسبابا عديدة لتبرير تدخلهم في سوريا الى جانب النظام ومنها الدفاع عن مشروع المقاومة وطرق امدادها ومنع سقوط سوريا في المحور المعادي للمقاومة، فان هذه الاسباب لم تنجح حتى الان في اقناع قسم كبير من الرأي العام العربي والاسلامي بصحة اداء الحزب ومواقفه، رغم ان الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله قد قدّم مداخلة مطولة للدفاع عن مواقف الحزب من خلال المقابلة الاخيرة مع جريدة السفير اللبنانية والتي نشرت على عدة حلقات ومن ثم وزعت في كتاب خاص.
وحتى الان لا يزال الخطاب الرسمي لحزب الله يحتاج للمراجعة من اجل توضيح حقيقة الصراع والخروج من منطق "مواجهة التكفيريين" ، لان هذا المنطق قد ترك اثارا سلبية على علاقات الحزب مع العديد من القوى والحركات الاسلامية.
فالحزب اليوم يحتاج لاعتماد منطق جديد لتوضيح طبيعة الصراع في سوريا والمنطقة والعودة الى خطاب مقنع بشأن الدفاع عن المقاومة والعمل من اجل تعزيز الوحدة الاسلامية ومواجهة الفتنة المذهبية، ومع ان التطورات الميدانية في سوريا تميل لصالح النظام وحلفائه وفي المقدمة ايران وحزب الله ،فان ذلك لا يعني ان الصراع انتهى وان النظام حقق انتصارا نهائيا، فالازمة في سوريا مستمرة واذا لم يتحقق تغيير حقيقي على ارض الواقع ينهي الظلم ويقيم نظاما يمثل الشعب السوري بشكل سليم ،فان الاوضاع ستستمر بالتدهور وسيظل الحزب غارقا في صراعات دموية لن تكون لصالحه ولا لصالح مشروع المقاومة الذي يدافع عنه الحزب.
اليوم قد تكون الفرصة مناسبة لاعادة المراجعة وتقديم خطاب جديد ينسجم مع دور الحزب وتاريخه المقاوم ، وهذا يتطلب الدعوة مجددا من اجل قيام نظام جديد في سوريا يحقق العدالة لشعبه ويوقف الدمار والقتل، والحزب قادر اليوم وبالتعاون مع ايران على اطلاق مبادرات حقيقية لوقف الازمة السورية والعمل لمواجهة الفتنة المذهبية واعادة بناء محور المقاومة الحقيقي.
وقد يكون الحزب وحلفاؤه بحاجة لشركاء اخرين يلاقونه في منتصف الطريق لتحقيق هذا المشروع، ومن هنا يأتي دور بقية القوى والحركات الاسلامية والتي يربطها بالحزب تاريخ طويل من النشاط المشترك ، فهذه الحركات معنية في اعادة مراجعة ادائها طيلة السنوات الماضية للبحث في كيفية تحقيق المصالح الحقيقية للشعوب العربية وعدم الغرق في الصراعات التي تخدم الاعداء ولوقف القتال والصراع في العالم العربي.
اذن نحن بحاجة الى طرفين قادرين على اعادة مراجعة الاداء والموقف ، فمن ناحية فان حزب الله معني بهذه المراجعة واعادة تقييم الاداء والموقف والخطاب ، وبالمقابل فان بقية القوى والحركات الاسلامية معنية بأن تلاقي الحزب في منتصف الطريق، ورغم ان هذه الرؤية ليست سهلة وقد تكون اشبه بحلم في ليلة صيف ، فان الدعوة للحوار والمراجعة قد تكون مدخلا طبيعيا لتحقيق هذه الدعوة التي تخدم المصالح الحقيقية للعرب والمسلمين.
قاسم قصير