يريد "حزب الله" رئيساً توافقيّاً، إذا كان الإنتخاب مطلوباً، والفراغ غير مرغوب فيه إقليميّاً ودوليّاً. إنّه جاهز للتجاوب مع مبادرة كتلك التي جمعته مع تيار "المستقبل" في حكومة "المصلحة الوطنيّة".
يتقدَّم الحزب من موقعين: فشل الموارنة الأربعة في تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، وبالتالي بات لزاماً على الشركاء الآخرين التحرّك للمشاركة في الإستحقاق.
ثم مواكبة مؤشرات الوحي الخارجي، لأنّه لا يريد المفاجآت غير المحسوبة، لا تلك المتصلة بمواصفات الرئيس، ولا بالخيارات. لقد حرق ما يكفي من الأوراق والمراحل، علاقته مع "المستقبل"، والسنّة عموماً، تحتاج الى ترميم، والأصحّ الى إعادة بناء.
وضعه مع الموارنة ليس أفضل حالاً، كسر فخّاره باكراً مع رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان، ولم يكن بعيداً من الحملة التي طاولت البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ولا تزال، على خلفية الزيارة الى الأماكن المقدّسة. ودعمه للنائب ميشال عون مثار تساؤل، كان في إمكانه أن يضمن أصوات المستقلّين، لو كان يريده رئيساً، لكنه فضّل البقاء في دائرة الإلتباس.
ويهيمن الإلتباس على النفط، لم يأتِ موقف القيادي الإيراني يحيى رحيم صفوي من فراغ، "نفوذنا وصل الى مياه المتوسط في جنوب لبنان"، وفي مياه الجنوب نفط، والنفط لن يُترك للوزير جبران باسيل.
قال مرّة إنه إمتياز للمسيحيين، كان يمزح او كان يزايد، وفي الحالين كان خطأه مميتاً. "حزب الله يتناسى"، ولكنّه لا ينسى، النفط أصبح في طليعة مهمات مقاومته في المرحلة المقبلة، لكنّه في هذه المرحلة الحساسة لا يريد فتح المعركة على جبهات ثلاث: سوريا، الداخل، الجنوب.
غابت عنه وبسحر ساحر المطالبات اللجوجة بالإنسحاب من سوريا، والخيار اصبح خياره، والقرار بالبقاء او الإنسحاب تمليه مصالحه ومصالح إيران. جبهة المطبّلين والمزمّرين في الداخل صمتت صمتَ أهل الكهف.
الدول الكبرى التي كانت تُهدِّد وتتوعَّد يقف سفراؤها عند باب داره، ينتظرون موعداً. الملف السوري برمّته على مشارف مرحلة جديدة، ولاية ثالثة للرئيس بشّار الأسد بضماناتٍ دوليّة غربيّة، وتوازن بين القوى على الأرض يسرّع العودة الى جنيف - 3.
على مستوى الداخل، يهمّ "حزب الله" الفراغ، ويهمه أن يطول لكي يدفع بالجميع الى المجلس التأسيسي ليقول كلمته في لبنان الذي يريد، وفي النظام الذي يرتاح اليه.
لكنه يعرف في المقابل أنّ الفراغ مجازفة، والتطوّرات المحليّة والإقليميّة والدوليّة متسارعة، وليست كلّها ملك يديه. الشركاء في الوطن لهم حساباتهم وخياراتهم أيضاً، جلسوا معه حول طاولة مجلس الوزراء، لكنّ الملفات الحسّاسة لم تُطرح بعد، ولا الأسئلة المصيريّة: هل لديه مشروع مختلف عن نظام الطائف، أبعد من لبنان، أو لا يستطيع هذا اللبنان بنظامه وتركيبته أن يتحمّل وزره وتداعياته؟
ربما لأنّ الجواب غير متوافر بعد عند صنّاع القرار، يميل الحزب الى التوافق على رئيس ليس من طينة إستفزازية، حتى ولو كانت قويّة في محيطها ووسط جمهورها، وفي هذه الحال ليس مضطراً لأن يخضع هذا الرئيس لإمتحان "فحص الدم" في حارة حريك.
ربما من مستلزمات المرحلة أن يهادن الحزب في الداخل، ومع خصومه المعروفين والمستترين لكي يمسك بملف النفط، سواء عن طريق تموضعه في الحكومة، او من خلال سياسة تقطيع المراحل التي يتبعها لإنجاح الخطة الأمنية، او تسهيل سلال التعيينات الإداريّة، او من خلال سياسة الأبواب المفتوحة التي يمارسها مع السعودية، وتيار "المستقبل". وليس بالمستغرب، كما يقول ديبلوماسي متابع، أن يفاجَأ الجميع يوماً بإتفاق حول النفط ساهمت في حياكته أنامل ما عَرفت يوماً إلّا حياكة السجاد العجمي الفاخر!