مروى علّيق

مع بدء العد التنازلي لسباق الإنتخابات الرئاسية في سوريا تصاعدت مواقف اللبنانيين من محلّلين سياسيين وصحافيين ومدونين وناشطين حول ترشّح بشّار الأسد في ظلّ الحرب السوريّة وحول تأثيرها على لبنان.

في مقابلة مع "لبنان الجديد", يرى الكاتب والأستاذ الجامعي اللبناني زياد ماجد أنه بالنسبة لترشيح بشار الأسد، فهو أولاً تعبير عن الإنفصال التام عن الواقع. وهو ما رأيناه سابقاً في سلوك القذافي وقبله في سلوك صدام حسين الذي "حاز" على مئة في المئة عشية سقوطه. وهو ثانياً رسالة من الأسد إلى الموالين له داخل البلاد مفادها أنّه مستمرّ وأنّ مصلحتهم تقضي بالبقاء خلفه. وهو أخيراً رسالة من موسكو وطهران إلى "المجتمع الدولي" مؤداها أن الأسد باقٍ وأن الأمر الواقع يقول إن على الجميع القبول به كجزء من الحل، بعكس مقتضيات جنيف التي كانت تترك البحث في أمره لحكومة انتقالية يشكلها جميع الفرقاء. "أمّا لبنانياً فلا أظن أن للأمر تداعيات مباشرة، ذلك أن إدارة الملف من جهة المحور السوري الإيراني صارت منذ فترة في طهران، وأن حزب الله هو المكلّف بالتنسيق والتدبير على أنّ استمرار الأسد يعني استمرار المأساة السورية، وهذا ينعكس بالطبع سلباً على استقرار لبنان لفترة غير قصيرة" يقول ماجد.

أما الكاتب والصحافي حسان الزين، فيؤكّد على أنّه لولا دماء الشعب السوري لكان اعتبرَ الإنتخابات نكتة. ويسأل: "أي إنتخابات يمكن أن تجري في مثل هذه الظروف السياسية والأمنيّة ومع هذا العدد الضخم من النازحين خارج مُدنهم وقراهم؟ ففي ظروف عادية تحتاج سوريا إلى تغيير ديموقراطي وأجواء وآليات للإنتخابات، فكيف بهذه الظروف، وبعد عقود من الاستبداد؟". "ما سيجري في سوريا ليس إنتخابات، إنّما إستفتاء وتجديد البيعة، ولأسباب سياسيّة دوليّة وإقليميّة، وللقول إنّ بشار الأسد منتخب، وإنّه الشرعية في وجه المتآمرين. بالتالي، يؤخذ الشعب السوري مرّة أخرى إلى المبايعة، وتؤخذ الديمقراطية أيضاً، مرّة أخرى، إلى الاستبداد تحت مُسمّى الإنتخابات. فلا يمكن لنظام مثل نظام بشار الأسد أن يُقنعنا بأنّه ديموقراطي لمجرّد أنّه مثّل علينا بالإنتخابات. ولا يعني وجود الجبهات والفصائل غير الديمقراطية في وجهه أنّه ديموقراطي أو منتخب أو شرعي، لأن من يقاتله ليس ديموقراطياً وليس سورياً"، يقول الزين. ويشير إلى "أنّنا كلبنانيين خبرنا الإنتخابات بإشراف النظام السوري، وكانت خليطاً من الفساد ومحاولة خلق كائنات سياسية غير طبيعية. والإنتخابات السوريّة تنعكس على لبنان من ضمن الرسالة العامة التي يوجهها النظام، وهي أنّه بخير ويتعافى. لكن ليس لها انعكاسات سياسيّة مباشرة، فاللاعب الآن في جبهة النظام هو حزب الله وإيران، والنظام السوري صار درجة ثانية وربما يؤدّي في هذا الإطار دوراً مسرحياً. ومن إنعكاسات الإنتخابات السورية على لبنان هو إستمرار أزمة النازحين السوريين، فالإنتخابات المزعومة تُجدّد الأزمة السياسية والأمنية والإنسانية."

من جهة أخرى ذكّر الكاتب عمر قدّور بالفيديو المسرّب الذي يقوم فيه شبيحة النظام بالدعس على المواطنين والقول: "بدكن حرية؟" الذي انتشر في بداية الثورة السورية ليقول أنّه في الواقع لم يتغيّر فحوى هذا الفيديو منذ أكثر من ثلاث سنوات, فالنظام يُجري إنتخاباته الآن بنفس العقليّة التي تدعس على إرادة السوريين. فالإنتخابات المهزلة كما سمّاها قدّور والتي قرّرها النظام السوري لا همّ له من ورائها سوى قهر السوريين والإستهزاء بهم وبإرادتهم الحرّة التي دفعوا من أجلها مئات آلاف القتلى. ويُشير بدوره إلى أنّه ليس مهماً في عرف النظام وجود ملايين المهجرين الذين لا يستطيعون الإقتراع, فالنظام لم يعتد أصلاً على رؤية السوريين كافةً بمن فيهم مؤيديه الذين بدورهم لا يصدقون قصّة الإنتخابات, ويعلمون أنّها مجرّد مسرحية هزلية يستمتعون بها بينما هم مطمئنون فعلاً إلى أنّ شيئاً لم يتغيّر, وإلى أنّ عبوديتهم مستمرّة. وأضاف أن الإنتخابات، بهذا المعنى، هي نوع من العقاب الجماعي الذي يطال السوريين، فقط لأنهم نادوا بحقهم في الإنتخاب. وينوّه قدّور إلى أن الإنتخابات السوريّة لا تخلو من بُعد إقليمي، وهذه المرّة من جهة نظام الملالي في إيران الذي يحاول فرض هيمنته من خلال الإنتخابات الرئاسية في لبنان أيضاً، وإعادة تنصيب نوري المالكي في العراق. ويرى أن إعادة إنتخاب الأسد في سوريا هي مقدّمة كما يعتقد الحلف الإيراني لترسيخ الوضع اللبناني الحالي حيث يفرض حزب الله أجنداته ومنها المشاركة في الحرب على السوريين، ومن المعلوم أن الحزب يسعى بقوة إلى الاستحواذ على منصب الرئاسة اللبنانية عبر شخصية موالية له. "أعتقد، لدينا ثلاثة ملفات مترابطة اليوم، سوريا والعراق ولبنان" يقول قدّور.

رأى المدوّن عمر كبّول أن الإنتخابات السوريّة لن تكون لها إنعكاسات مباشرة تؤدي إلى تعديل موازين القوى في لبنان لعّدة أسباب, من بينها أنه ومنذ خروج الجيش السوري من لبنان, أمسك حزب الله بمفاصل الحياة السياسيّة اللبنانيّة بقوة السلاح ولعب دوراً سياسياً أمنياً وعسكرياً يخدُم مصلحة النظامين السّوري والإيراني، وهو ما زال على قوته، وسيسعى الحزب الى ضمان استمرارية تفوقه مع تعاظم النفوذ الإيراني داخل سوريا نفسها. وبرأي كبّول أن التصريحات الإيرانية الأخيرة لضبّاط في الحرس الثوري خير دليل على الطموح الإيراني التوسّعي، وبالتالي لمعرفة التطوّرات على الساحة اللبنانية مستقبلاً يجب مراقبة التغيرات على الساحة الإيرانية وتطوّرات الملف النووي، والتقارب الإيراني السعودي أو المفاوضات الإيرانية الأمريكية وليس الإنتخابات السورية. أما على الصعيد الدولي يشكّل إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالإئتلاف ممثلاً شرعياً للشعب السوري وتشكيك الدول الأوروبية بالإنتخابات السورية عاملا ً مهما ً بنظر كبّول مؤداه أنّ القنوات الدبلوماسية للنظام سوف تكون محاصرة خلال الفترة القادمة، وبالتالي لا يمكنها ترجمة فوز بشار الأسد بولاية جديدة بأي حراك دولي مساند. بناءً على ذلك، لن يكون للإنتخابات أيّ تأثير مباشر على لبنان ولا حتّى على مجريات المعارك داخل سوريا. فالنظام يحتاج لسنوات حتى يستعيد السيطرة على ما خسره، وهذا يدخل ضمن المستحيلات.

أمّا الناشط والمدوّن, وسام عبيد فيقول أنّ الإنتخابات السوريّة المتوقعة لا تحدد مصير أحد أو شيء في سوريا، و هي التي لم تضف شيئًا على الحياة السياسية السورية قبل الثورة فلماذا نتوقع منها أمرًا مغايرًا الآن، في ظلّ إنهيار المجتمع والوطن السورييْن.  ويرى عبيد أن الإنتخابات تُثير كوميديا سوداء ضمن صفوف الناس العاديين فلا شرعية تُرتجى حينما تكون الدماء هي الشرعيّة الوحيدة، و معها تتحوّل صناديق الإنتخابات إلى مجرّد توابيت للضمائر. أمّا على المستوى السياسي فأشار على أنّه لا أشَد سُخفًا من أسماء المرشحين الكرتونيين إلّا ترشيح بشار نفسه وكأنّه في منافسة حقيقية. ويضيف أنّه يبدو جليًا أنّ أصوات المعارك أعلى من أصوات المرشّحين المجهولين بأغلبيتهم للمواطن السوري، وصور القتلى والمجازر أكبر على الشاشات من صور المرشحين ومعها تبدو الإنتخابات ثانوية مقارنة بالحرب العسكرية التي يخوصها النظام الذي لطالما فرضته الغلبة العسكرية حاكمًا وهو لم يُعير الإنتخابات يومًا أيّ إهتمام. وعلى الصعيد اللبناني يقول عبيد أنّه لن يكون هناك تأثيرات كبيرة على الداخل اللبناني بعد نتائج الإنتخابات السورية المحسومة منذ العام ١٩٧٠، فلا يُخفى على أحد تراجع التدخّل المباشر السياسي السوري في لبنان وترك تقدير السياسات اللبنانية الى الحليف الأقوى حزب الله وهو الذي يلعب دور الراعي السوري في لبنان ودور قوّات الردع عن النظام في سوريا. 

من ناحية أخرى, يعتبر الكاتب روجيه عوطة بأن الأسد اعتمد آلية الإنتخابات الرئاسية لغايات عدّة، أوّلها، الإستفادة من عامل الوقت، الذي ستستمرّ السلطات البعثية خلاله في ارتكاب مجازرها، كي تعيد الناس إلى نظامها. ثانيها، مخاطبة العالم انطلاقاً من مقولة الديمقراطية، وملحقاتها الإقتراعية، وإظهار أن "السوريين يقررون مصيرهم"، وهذه المخاطبة، بين النظام و"المجتمع الدولي"، سبقتها واحدة أخرى، على أساس العنف، الذي بدا كأنه الفعل الأصلي، الذي يتوجه به الأسد نحو أنظمة العالم، وبه يلامس حقيقتها. كأن النظام البعثي هو "المجتمع الدولي" عارياًويضيف عوطة أن النظام السوري قد تمكّن من "بعثنة" العالم، أو لنقل من تمثيل عنفه، وهو، اليوم، حين يعتمد الإنتخابات، كي يواصل إبادة السوريين، يؤكد للأنظمة الدولية، أنه قادر على أن يصير مثل أي نظام "ديمقراطي" بينها. هنا، تكمن قوته، وضعف الديمقراطية السائدة، التي لا تبدو أنها، بالنسبة للعالم، تتناقض مع العنف، بل أنها تستكمله: كما يذهب القتلى إلى التوابيت، يذهب ما تبقى من السوريين إلى الصناديق. والفعلان، القتل، والإنتخاب، يشكلان مساراً واحداً لتركيز النظام، وتأبيد رأسه. بالتالي، الإقتراع استمرار للمجزرة، لكن، قبل ذلك، المجزرة نفسها، بحسب آليات عمل النظام، هي بمثابة عملية ديمقراطية لانتخاب الأبدويعود ليؤكد أن ما يحصل في سوريا الآن يستدعي النظر النقدي في مفهوم الديمقراطية، وعلاقتها بالعنف، كأن التصويت تحت البراميل فعل مألوف، وغير متنافر. ومن جهة أخرى، من المعروف أن نتيجة الإنتخابات معروفة مسبقاً، وهذا دليل واضح على أن الاقتراع مجرد مسرحية، مسرحية إسمها "عنف الديمقراطية"، لكن، هذا لا يعني أنها بلا قيمة، بل أنها تعكس كيف أن الأسد قادر على المؤالفة بين الديمقراطية وزيفها تحت نظر العالم "الديمقراطي"، وكيف أن نظامه المستبد يستطيع أن يكون أي نظام خارجي، حتى لو ظهر هذا الأمر، للوهلة الأولى، كأنه متناقض. والإنتخابات ستؤبد رئاسة الأسد، أي قيادته للمجزرة المتواصلة بحق السوريين، وهذه المرة، التأبيد ديمقراطي، بعد أن كان، ولا يزال، عنفي. ومن المتوقع أن ذلك سيضاعف من قوة الأسد أكثر، خصوصاً إن جرى الاعتراف بولايته الجديدة، وبالتالي القديمة. مع العلم أن التعامل الدولي مع نتائج الإنتخابات في سوريا ليس واضحاً حتى الآن، سوى فرنسا، التي رفضت، في الأصل، إجراء الانتخابات على أراضيها. أما في لبنان، فستشتد قوة فريق الممانعة والمقاومة، وفي مقدمتهم حزب الله، وسيكون ذلك دافعاً جديداً كي يواصلوا ما بدأوه بحق البلد، كأن يأتوا برئيسهم، "التوافقي" أو لا، إلى قصر بعبدا. كما من المرجح أن يتعاملوا مع بقاء الأسد على رأس النظام-المجزرة كأنه، كالعادة، انتصار تاريخي، ومفصلي، وهذا ما سيجعلهم حاسمين أكثر في الاستيلاء على البلاد.

لا شكّ أن الإستحقاق السوري واقع فُرض على السوريين, وخاصة أولئك الذين تهجّروا قسراً وذاقوا كلّ أنواع القمع والعنف الجسدي والنفسي, فمن السذاجة أن نقتنع, وسط هذا الدمار, أن ّالذي سيجري في سوريا في الثالث من حزيران المقبل هو إنتخابات حقيقيّة.