في المذكرة الوطنية للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي والتي اطلقها في مناسبة عيد مار مارون في 9 شباط الماضي، والتي يعقد مؤتمر اليوم لدعمها، الكثير من الاستشراف أو القراءة الواقعية الاستباقية لما سوف يواجه الاستحقاقات اللبنانية، مع اصرار على رفض الانصياع للواقع المرير، أو التكيف مع الفراغ الذي بدأ يطل برأسه على الرئاسة الاولى.
يرى البطريرك في المذكرة ان أبرز القضايا المتصلة بالهواجس "عدم الوضوح في تحديد المصلحة الوطنية المشتركة العليا مما يؤدي في الغالب الى ممارسة سياسة تجنح الى المحاصصة ودوائر النفوذ... لذا برز اليوم الصراع على تنازع السلطة على حساب الميثاق، وتعطيل الدستور لصالح صراع القوى، وشل الدولة من جراء لعبة تجاذبات المحاور الخارجية". ويضيف انه "من النتائج الخطيرة تكبيل المؤسسات الدستورية ورهنها بخيارات الافرقاء الذين يدعي كل منهم بأن خياراته هي المنجية، اضافة الى تحويل الاستحقاقات الدستورية بمهلها ازمات وجودية، بدلا من ان تكون فرصاً للديموقراطية من أجل تداول سلس للسلطة. وخير مثال على ذلك: عدم التوصل الى اتفاق على قانون انتخابي عادل، وعدم إجراء الانتخابات في موعدها، وعدم تشكيل حكومات في المهل المعقولة، والتخوف من احداث فراغ في رئاسة الجمهورية".
ما ذهب اليه البطريرك في الوثيقة، يقرأه اليوم على ارض الواقع، ولا تكمن المشكلة في الآخرين، وان كانوا ربما أكبر من المشكلة في ذاتها، بل هم العلة. لكن السبب الواضح للتعطيل يكمن في الرعية التي يسوسها البطريرك. وها هم يعرضونه والرعية لتذوق الكأس المُرة، اذ لم يعد أحد يفتش عن الاستحقاق الرئاسي، بل بدا التطلع الى بعد 25 ايار الجاري، اي الى عيش الفراغ وادارته. ولا يعلم اللبنانيون ما اذا كان اللقاء الذي سيعقد اليوم، يساهم فعلا في دعم البطريرك ومذكرته بما يدفع الامور قدماً، ام يتحول مساحة فكرية جديدة تبحث في شكل النظام اللبناني وضرورة تطويره، وهو أمر ضروري وملحّ، لكنه يعتبر مضيعة للوقت في المرحلة الضيقة الفاصلة عن انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، ودخول البلاد في الفراغ.
صاحب الغبطة لا نحمّله أكثر من طاقته وصلاحياته، لكن اللبنانيين يأملون ممن كسر المحظورات بذهابه الى سوريا في ذروة ازمة نظامها، واستعداده لزيارة القدس والاراضي المقدسة، ان يخرج على المعرقلين فيسمّي الاشياء باسمائها، ويضع النقاط على الحروف، ويحمل هؤلاء المسؤولية الكاملة أمام الشعب اللبناني وأمام التاريخ.