عندما خرج وزراء التحالف الشيعي لحركة " أمل" و"حزب الله" من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة خريف عام ٢٠٠٦، وُصفت تلك الحكومة بأنها أصبحت بتراء وفقدت شرعيتها لأنها خسرت ميثاقيتها، ليس بسبب استقالة فريق سياسي منها، وهم عمليا لم يستقيلوا، بل لأن خروجهم من الحكومة يعني خروج مكون طائفي أساسي من مكونات الميثاق الوطني. وقد ادى ذلك الى اقفال المجلس النيابي وتعطيل العمل التشريعي.
وعندما قرّر "تيار المستقبل" مقاطعة جلسات المجلس قبل عام بسبب رفضه التشريع في ظل عدم تشكيل حكومة، رفض رئيس المجلس نبيه بري الدعوة الى عقد جلسات تشريعية، ليس اقتناعا منه بأحقية المقاطعة، وهو لم يكن مقتنعا بها، وإنما بسبب رفضه المس بالميثاقية وعقد جلسات لا يشارك فيها المكون السني أو حتى المسيحي. وإستعادة هاتين السابقتين على سبيل المثال وليس الحصر، لم يكن الا للدلالة على ما يعنيه التشبث بالميثاقية بالنسبة الى القوى السياسية عندما يتطلب الامر، وللسؤال عن سبب إغفال ذلك في الحالة المستجدة اليوم في ظل هواجس الشارع المسيحي من مخاطر عدم إنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لبنان يواجه اليوم وضعاً لا يختلف عن الأوضاع المشار إليها إذا حصل أن شغر موقع رئاسة الجمهورية بفعل تعذر انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية، بحيث يتعرض الميثاق الوطني لاختلال في توازنه الطائفي بفعل شغور موقع الرئيس المسيحي. علما ان التعامل السياسي مع الاستحقاق لا يتم من هذه الزاوية، باعتبار أن آلية الانتخاب تتم وفق الدستور، بحيث تتم الدعوة الى جلسات إنتخاب، فيما ترمى كرة التعطيل عند الفريق المسيحي العاجز عن الاتفاق على مرشح قبل إنقضاء المهلة الدستورية بعد أقل من اسبوعين.
لا ينفك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان وهو على عتبة مغادرة قصر بعبدا من دون تسليم مفاتيحه الى ساكن جديد، فضلا عن عدد من القيادات المسيحية، يحذرون من مخاطر إفراغ سدة الرئاسة، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من إرتدادات قد تكون أمنية في مرحلة لاحقة لفرض مواصفات الرئيس المقبل، خصوصا أن ثمة من يرى في المماطلة في إنجاز الاستحقاق، قرارا بعدم إنتخاب رئيس جديد وتحويل الصلاحيات الى الحكومة التي تمارس صلاحياتها بشكل تام وتنجز في فترة قياسية ما عجزت عنه حكومات عدة، بدءا من الخطة الامنية لطرابلس وصولا الى ملف التعيينات. وهذا ما دفع ربما الراعي إلى تسويق إقتراح ببقاء الرئيس في السلطة حتى إنتخاب خلف له. وقد إقترح لذلك إجراء تعديل دستوري يتيح منع الشغور في الرئاسة الاولى.
لكن لا يبدو ان الامر يعدّ بالنسبة الى الوسط السياسي المحلي والراعيين الإقليميين لفريقي الصراع في لبنان، لأكثر من سبب، أولها ان الموقع شأن يخص الطائفة المسيحية وان على قيادات هذه الطائفة أن يتحدوا أو يتوافقوا او على الاقل ان يقدموا مرشحيهم لكي يتم الانتخاب على هذا الأساس. باعتبار انه حتى اليوم تختصر الترشيحات المعلنة على ترشيح يتيم يعود الى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
سبب آخر يمكن إدراجه في هذا السياق ان الغرب الذي طالما كان له كلمة في الاستحقاق الرئاسي حتى في ظل الوصاية السورية التي التزمت لبنان على مدى العقود الثلاث الماضية، لا يضع الاستحقاق في سلم أولوياته بقدر ما يبدي اهتمامه بحماية الاستقرار في البلاد والنأي عن الأزمة السورية وتداعياتها.
ويلاحظ ان اللغة الديبلوماسية حيال الاستحقاق الرئاسي توحدت في الآونة الاخيرة مع بدء العد العكسي لانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، بحيث يلتقي سفراء الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي كما سفيرا المملكة العربية السعودية وإيران على ان الاستحقاق شأن لبناني، رافضين التحدث عن أي تدخل لدولهم فيه.
وفي رأي مصادر سياسية أن الكلام عن عدم التدخل الخارجي لا يبشر بإمكان حصوله ، وتعطي مسألة تشكيل الحكومة مثالا، حيث استغرقت الخلافات المحلية حيالها عشرة اشهر، فيما لم تستغرق الولادة أكثر من ساعات قليلة عندما حصل التفاهم أو بالأحرى التفهم الإقليمي للتأليف.
تأمل المصادر ان تنجح المساعي التي يقودها البطريرك الماروني في صون موقع الرئاسة الاولى وحمايته من الفراغ عبر إنتخاب رئيس جديد، بما يسقط الحاجة الى تعديل دستوري لإبقاء الرئيس سليمان في بعبدا حتى إنتخاب خلف له. لكنها لا تبدي تفاؤلا حيال ذلك خصوصا بعدما رأت أن الحكومة تستعد، خلافا لرغبة رئيسها في إبعاد كأس تسلم صلاحيات الرئيس المرة، لتجرع هذه الكأس من دون أن تشعر بمرارتها. فهي نجحت في تفعيل العمل الحكومي بإنسجام وتعاون وتنسيق قل مثيلها، فأقفلت ملفات شائكة عجزت عنها حكومات سابقة. وهذا ليس خارجاً عن سياق سياسي عام يتصل بتفاهم ضمني بين مكونات أساسية على ضفتي ٨ و١٤ آذار على المشاركة في الحكم وتسيير شؤون الدولة حتى نضوج ظروف إنتخاب الرئيس.