هل يمكن القول أن معالجة مشكلة السلاح خارج الدولة قد تبدأ من المخيمات الفلسطينية بعدما فقد هذا السلاح وظيفته وهي تحرير الاراضي المحتلة، وبات ذلك من مسؤولية الفلسطينيين في الداخل خصوصاً بعدما تحققت المصالحة بين حركة "فتح" وحركة "حماس" والتي تقضي باجراء انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس يمثل تمثيلاً صحيحاً مختلف الأطراف والتنظيمات والتيارات ويتمّ بعد ذلك تشكيل حكومة عليها أن تقرّر كيف تستعيد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني انطلاقاً من قيام دولة قابلة للحياة إلى جانب الدولة الاسرائيلية؟
لقد كان لافتاً قول وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق: "إن الكثيرين اعتقدوا أن بامكانهم مقاتلة العالم من لبنان، كما اعتقد البعض الآخر أن بامكانهم تحرير فلسطين لوحدهم، وآخرون اعتقدوا انه يمكنهم إجراء صلح مع اسرائيل وثمة من اعتقد أنه يمكنه إقامة الوحدة، فيما رأى آخرون أن بإمكانهم الانفصال عن محيطهم.
إن كل هذه الأفكار تتلاشى أمام فكرة الدولة الواحدة". كما لفت قول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي غالباً ما تشهد اشتباكات بين الجماعات المسلّحة داخل المخيم والتي يقول كثر إنها تؤوي مطلوبين: "نحن بصدد وضع خطّة أمنية داخل المخيمات لمعالجة كل القضايا، واعتقد أن هذه البقع المنسية هي دائماً سبب توتر واحتياط للتوتر في البلاد".
إن موقف وزير الداخلية والمدير العام للأمن العام يؤكد وجود تصميم على إقامة الدولة القويّة في لبنان التي تحمي الجميع وتتصدى لأي اعتداء يقع بحيث لا تعود عندئذ حاجة إلى سلاح داخل المخيمات ولا خارجها بعدما كان وجودها في الأساس لتحرير الاراضي الفلسطينية التي تحتلها اسرائيل، ومسؤولية ذلك تقع الآن على السلطة الفلسطينية في فلسطين التي يؤمل أن تزداد قوّة بعدما تحققت وحدة الشعب الفلسطيني، وبها يتحقق قيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وان المصالحة التي تحققت تساعد على وضع استراتيجية فلسطينية واحدة موحدة لمواجهة الاحتلال الذي يحاول تهويد القدس وشطب حق العودة للاجئين.
لذلك فان السلاح داخل المخيمات بات سلاحاً يعكّر الأمن فيها ويجعلها ملاذاً للمرتكبين والمطلوبين للعدالة وهذا من شأنه أن يؤثر على الاستقرار العام في البلاد. كما أن السلاح خارج المخيمات لم تعد له وظيفة لا دفاعاً عن فلسطين ولا لدعم محور ضد آخر في المنطقة لأن هذا يسيء الى سياسة الدولة اللبنانية وهي سياسة النأي بالنفس عن صراعات المحاور وبات في الامكان تنفيذ قرار هيئة الحوار الوطني في هذا الشأن.
أما بالنسبة الى سلاح "حزب الله"، فلم تعد له وظيفة المقاومة بعدما صدر القرار 1701 والتزم الحزب واسرائيل وقف العمليات العسكرية في المناطق الحدودية بدليل أن الهدوء يسود فيها منذ صدور هذا القرار، وان وضع خطة لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي بأسلحة متطوّرة بتمويل سعودي، يجعل الدولة وحدها مسؤولة عن تحرير ما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة بالوسائل التي تراها مناسبة. وفي انتظار تنفيذ خطة تسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي، ينبغي الاتفاق على وضع استراتيجية دفاعية للافادة من سلاح المقاومة وذلك بوضعه في كنف الدولة بحيث يصير استخدامه عندما تحتاج اليه في الزمان وفي المكان المناسبين.
والسؤال المطروح هو: هل في استطاعة الحكومة الحاليّة، وهي حكومة تتمثل فيها معظم القوى السياسية الأساسية أن تفعل ذلك إذا ما انتقلت إليها صلاحيات الرئاسة الأولى اذا تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية بحيث يبدأ العهد الجديد وكل مقومات إقامة الدولة القويّة تكون قد اكتملت بالتوصل إلى حلّ جذري لمشكلة السلاح خارج الدولة، ولا يظلّ وجوده حائلاً دون إقامة هذه الدولة وموضوع خلاف يعرقل تشكيل الحكومات؟
الواقع ان حكومة سلام التي تشكّلت بسحر ساحر بعد 11 شهراً من المناكفات والمماحكات بين 8 و14 آذار تنجز بسحر ساحر أيضاً خلال وقت قصير ما لم تستطع انجازه الحكومة السابقة في وقت طويل. فهل هذا يعني أن المظلّة الدولية التي تحمي الاستقرار والأمن في لبنان على رغم كل الحوادث والتفجيرات المتنقلة تستطيع جعل الفراغ الرئاسي إذا ما حصل تسده الحكومة الحالية إذا ظلت منسجمة على رغم انها تتألف من أضداد؟ وذلك بفضل المظلّة الدولية التي تعوّض الفراغ الرئاسي المقلق بحكومة منتجة تستطيع أن تنجز الكثير وقد لا يستطيع انجازه حتى رئيس للجمهورية إذا انتخب في ظل استمرار الوضع الشاذ في البلاد خصوصاً في ظل سلاح خارج الدولة لا حل له في المدى المنظور. وهذا يتوقف على مدى استمرار الحكومة التي تعمل بسحر ساحر وكأنها في شهر عسل دائم ولا تدخل شهر الخلافات والانقسامات وعندها يكون الفراغ القاتل.