صحيح ان نظامنا اللبناني لم يعد نظاما رئاسيا، ولم يعد لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة ودور أساسي في رسم كل معالم المرحلة السياسية حال وصوله الى الكرسي الأولى، خاصة في ظل دستور ما بعد الطائف وانتقال الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، مما حول نظامنا السياسي الى نظام هجين، لا هو برلماني كما يدعون ولا هو رئاسي ولا هو دستوري أيضا،
الا ان هذا لا يعني البتة ان رئيس الجمهورية لم يعد بامكانه لعب دور مهم في الحياة السياسية اللبنانية بالخصوص كدور حامي للدستور ومراقب حكم على حسن تطبيقه ،
ومن هنا نشهد اليوم هذا الحجم الكبير من التجاذبات والتداخلات كما عند كل استحقاق رئاسي، وجاء ترشح سمير جعجع بما يعنيه هذا الترشح من محاولة لاعادة توازن مفقود منذ 1992 وامساك نظام دمشق لتسمية أي رئيس مفترض ،
الا ان الملفت بالموضوع اليوم هو ما يرمى في الأجواء من غبار عبارة عن مغالطات سياسية كبرى تحمل الكثير من الخطورة ولا تؤسس الا لوصول رئيس يدير الازمة ويطيل بعمرها على غرار ما كان يحصل ابان الوصاية حيث كان يمنع من وصول رئيس حل ، وهذا ما ساهم طوال تلك الفترة من افقاد موقع الرئاسة الأهمية المرجوة والدور المعطى له، وشكل على طول الخط خلل كبير في التوازنات مما سمح للبنانيين استمرار دورانهم في ما يشبه الحلقة المفرغة ،
واحدة من هذه المغالطات هي ما يطلق عليه زورا " الرئيس التوافقي " وما هذه التسمية الا رديف " للرئيس المشلول "، حيث ينشغل هكذا رئيس بارضاء كل الافرقاء،
والمغالطة الثانية التي نسمعها هذه الأيام أيضا وتسوّق على انها صفة ضرورية للرئيس العتيد هي مقدرته على التواصل مع الجميع،
هذه الصفة المستجدة انما يحاولون تكريسها خاصة بعد تمزيق أوراق " الابراء المستحيل " وتواصل ميشال عون مع سعد الحريري مما يمنحه هذه الصفة والمفقودة عند غريمه سمير جعجع بسبب قطيعة حزب الله له، غير ان هؤلاء المسوقين لهذا الشعار متغافلين عن قصد او عن غير قصد ان التواصل او عدم التواصل مع مقام رئاسة الجمهورية انما هو خيار يمكن ان يأخذه أي فريق بغض النظر عن شخص الرئيس وان ترسيخ هكذا مواصفات يعتبر بمثابة إعطاء حق الفيتو للاخرين وهذا ما لا نشهده عند الرئاسات الأخرى، مما يساهم اكثر فاكثر في تهشيم هذا الموقع ،
وبكل اسف فان هذه المغالطات وغيرها انما يروج لها هذه الأيام شخصيات مرموقة من المفترض ان تكون هي احرص الناس على موقع الرئاسة واستعادة بريقه، كالبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يجب ان يلعب دور الحارس والحامي في حال تجرؤ احد على أي من مواقع الدولة فضلا عن موقع الرئاسة ، الا انه وبكل اسف نسمع منه يوميا تصاريح ومواقف هي بمثابة المعول الذي ينال من صرح هذا الموقع وبأسلوب تهديمي يمارسه من موقعه، وكأننا لا نزال نعيش في نفس تلك المرحلة القديم، حيث كان يجرؤ الاخرون .