إذا كانت السمّة الجوهرية لأمتنا هي التوحيد وكرامة الإنسان فكيف استحال عليها أن تنجز على أرض الواقع وحدة شخصيتها وكيانها؟


ترى أيكون التخبط في فهمنا لسؤال الدين دافعاً إلى تمزق ثقافتنا الدينية، وقد انتهت إلى منزلقات من السجالات والفتن والعداوات ما لا سبيل إلى الخروج منها، إلا بالبحث عن اللغة المشتركة ليبتدئ حوار الأديان على قاعدة هذه المشتركات لنخوض تجربة نوعية نقترح أن يكون الإنسان محوراً وموضوعاً لحوار الأديان؟
وفي ضوء هذه المعادلة، آمل أن لا نختلف على جروح الإنسان بمثل ما اختلفنا فيه على رحمة الله ومحبة الله..
كذلك وفي ضوء محورية الإنسان، آمل أن نتجاوز ذلك الحوار الطوباوي الذي ألفناه من منابر ومنتديات الحوار الديني - الديني فينفتح لنا الأفق الذي نرتجيه من ربط سؤال الدين بسؤال النهضة.. مع ضرورة الاعتراف بأن ما درجت عليه الدراسات الدينية الطائفية يغلب عليها تحميل - الآخر - في الدين والمذهب مسؤولية ما يجري على أرض الواقع الديني من أخطاء ونزاعات بحيث تبدو صورة المتدينين في المجتمع العربي أقرب ما تكون إلى صورة - الإخوة الأعداء - ذلك أن مصطلح - أنا - الدينية قد انغلقت على حدود الطائفة لتختزل معيارية - التدين - من داخل مفاهيم التفسير الطائفي لجوهر الدين ورسالته، وفي مدى تشويه - أنا الدينية - يبتدئ التناحر باسم الدين وعلى الدين في مشهد من العداوات التي لا تتورع عن الاستقواء بالعدو الأجنبي على الأخ في الداخل الذي صار عدواً بفعل أدلجة الدين المشحونة بعنصرية دينية قاتلة، يتم على أساسها تصنيف الإخوة والأعداء..
وما من شك في أن نزعة الطائفية الدينية بمفهومها المنغلق هي ذات مضمون مانوي تختصر معادلة الصراع بين الخير والشر أو بين الظلام والنور من خلال مركزيتها التي لا تحتمل تصور شيء من الخير والنور لدى الآخر..
وفيما كانت الفلسفة اليونانية تطلق على الآخر المختلف صفة - الهمجي والبربري - اتجهت موروثات الفكر الديني الطائفي إلى تضخيم أنا الانتماء لليهودية والمسيحية والإسلام فاليهود - وليست اليهودية - هم شعب الله المختار.. والمسيحيون - وليست المسيحية - هم ملح الأرض ونور العالم.. والمسلمون - وليس الإسلام - هم خير أمة أخرجت للناس..
وأكاد أقول إن مصطلح يهودي ومسيحي ومسلم لا يتم تعريفه في أدبيات الأديان المعاصرة من خلال محددات الإنتماء لهذه الأديان التوحيدية - توراةً وإنجيلاً وقرآناً - وإنما في ضوء المحددات الطائفية المنبثقة من تلك الأديان فاتسعت دائرة الاختلاف والتناقض حتى داخل الدين الواحد والطائفة الواحدة وبدا العقل الديني مسكوناً بتكريس هذه الطائفية من منظور إسلامي بحديث منسوب إلى رسول الله (ص) ولم يثبت عندي صحته هو حديث الفرقة الناجية: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملّة واحدة» - وفي رواية أخرى «الناجية منها واحدة والباقون هلكى».
هذا وقد تمّت أدلجة وتوظيف هذا الحديث بصورة واسعة بقصد منع الاختلاف في الرأي وتبرير قمع المختلفين بإعطاء هذا القمع غطاءً دينياً واضحاً يعمل على خلق مجتمع داخل المجتمع.
من هنا فإن خطورة العقل الديني الطائفي تتأكد في إرادة تكييف سلوك الآخر مع سلوكه دون السماح للآخر بالدفاع عن أفكاره فضلاً عن مناقشته ما يُعرض عليه من مفاهيم وأفكار.. ما يعني أن الطائفية الموروثة هي النموذج اللازمني - للدين - وبتعبير القديس أوغسطين «لا تذهب إلى الخارج وادخل ذاتك، ففي الإنسان الجواني تسكن الحقيقة» وكأن الوحدة الذاتية للطائفة المغلقة تشابه ميتافيزيقيا التكوين الإلهي الذي لا يحتمل التبديل أو التعديل..

الشيخ حسين احمد شحادي