الثامن عشر من نيسان، تاريخ يشهد على إجرام العدو الإسرائيلي ووحشيته وتحيّز المجتمع الدولي وخنوع المجتمع العربي، في مثل هذا اليوم رأى العالم من البشاعة ما تعجز العقول عن تخيّله، 18 سنة مضت وجمرات عناقيد الغضب لم تنطفئ في صدور اللبنانين بعد. واللافت بأن ذكرى مجزرة قانا تطلّ علينا هذا العام في يوم الجمعة العظيمة لتتعانق آلام أطفالها مع آلام المسيح لتظلّ عنواناً للمجد والخلود.
في مثل هذا اليوم من العام 1996 في تمام الساعة الثانية وعشر دقائق بعد الظهر قامت المدفعية الإسرائيلية بإطلاق نيرانها وصواريخ حقدها على مقر كتيبة "الفيجيه" التابعة للأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان، هذا الموقع الذي لجأ إليه ما يزيد عن 800 مدني هربوا من البطش الإسرائيلي ظناً منهم بأنهم سيكونون بأيادٍ أمينة عند منظمةٍ أُنشئت لحماية الشعوب والمدنيين، تلك المجزرة التي ارتكبها العدوّ الإسرائيلي على مرأى القوات الدولية أدّت إلى استشهاد ما يزيد عن 106 لبنانيين وإصابة العشرات معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، بينما اكتفى المجتمع الدولي يومها بالتفرّج على هذه الجريمة، بحيث لم يصدر مجلس الأمن قراراً يدين المجزرة بسبب فيتو أميركي أجهض إصدار هذا القرار.
وكانت الأسر التي لجأت إلى كتيبة "الونيفيل" في قانا، قد نزحت من الجنوب هربًا من القصف الإسرائيلي المتكرّر والكثيف، ولم يكن هؤلاء الضحايا هم فقط من نزحوا من الجنوب، ولكنهم كانوا ضمن نحو ٢٥ ألف مدني لجأوا إلى مناطق عمل القوات الدولية في لبنان.
وبعد سبعة عشر يوماً من العدوان الهمجي على لبنان، اضطرّ العدو مجبراً على إنهائه بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد أن عجز عن تحقيق أي من أهدافه سوى إبادة المدنيين.
عملية "عناقيد الغضب" الوحشية استوحت إسرائيل تسميتها من عنوان رواية شهيرة للروائي الأميركي المعروف جون شتاينبك، وكانت تلك الحرب حينها الرابعة من نوعها في مسلسل الحروب العدوانية الصهيونية على لبنان، بعد اجتياح جنوبه وإقامة الشريط الحدودي العازل فيه في عام 1978 وغزوه وصولاً إلى عاصمته بيروت في عام 1982 واجتياح جنوبه مرة أخرى في عام 1993.
قانا وأخواتها ستبقى تاريخاً يشهد على جرائم العدو الاسرائيلي وصمت العالم، وستبقى الذكرى منبرَ أوجاعٍ يخاطب الضمائر، يخاطب الشرعية الدولية المكتفية بالاستنكار، فما بين الأمس واليوم حكايات ألمٍ طويلة تحمل في طياتها أشلاء شعوبٍ أحرقتها بيانات الاستنكار أكثر من صواريخ الاستعمار، حكايات ألمٍ عنواها الحرية كتبت بدماء أطفال قانا وغزة ودرعا وكلّ بقعةٍ من بقاع الأرض فيها ظلمٌ وقهر واضطهاد.
نهلا ناصر الدين