لا اظن ان في اي من بلدان العالم الطبيعية، هناك حدا يحمل صفة "محلل سياسي " كالذين تعج بهم ساحتنا ، او على الاقل استطيع ان اجزم بأن المواطن العادي هناك حتما لا يحتاج لكي يفهم ماذا يجري حوله الى شراء بضاعة هؤلاء ، ولا الى قراءة الكثير من التقارير والتحاليل ذات القيمة .
والمقصود بذات القيمة هنا تعني تضمّن ( التحاليل ) الى الكثير من المعطيات الخاصة ، والمعلومات السرية ، واخبارمستقات من الغرف السوداء مستحيلة المنال الا لكل ذي حظ عظيم ، هذا طبعا مع ما يجب ان يتمتع به هذا المواطن المعتر من خبرات امنية وتجربة اعلامية ومقدرة كبيرة على الغوص في اعماق بحورالخبايا ، واحتراف عال بفنون ربط وتفكيك اعقد الاحجيات ، عله بعد كل هذا يتمكن من الاقتراب ولو قليلا لفهم صورة ما يجري حوله ، وما سوف يؤول اليه واقع الحال عنده .
وعليه فلا غرابة ابدا بان المواطن اللبناني خاصة في زمن الاستحقاقات يبذل قصارى جهده لا ليكون عامل فاعل بها وبمجريات الاحداث التي تتحكم بمستقبله ومستقبل اولاده ، وانما تذهب كل جهوده المضنية كمحاولات منه لمجرد معرفة ماذا يدور في الكواليس ، فتصبح الشطارة كل الشطارة هي في اصطياد معلومة من هنا او خبرية من هناك سرعان ما يتبين له عدم صحتها ، وهكذا دواليك .
مساكين نحن المواطنون اللبنانيون لاننا نرزح تحت وطأة طبقة سياسية ننتجها بأيدينا ولا تجيد سوى تدويخنا لدرجة اننا بتنا ندمن العيش وسط دوامة من الضباب الكثيف ، وصارت عيوننا لا تحتمل وضوح الرؤية لاننا لم نعتدها ولم نسعى اليها يوما بكل اسف ، فانا اتحدى "اتخن " مواطن يمكنه ان يحصي فقط عدد السيناريوهات المرتقبة عشية الاستحقاق الرئاسي المنتظروهاك منها ، ( انتخاب ، تأجيل ، نصاب ، تمديد ، تسوية ، فراغ ، تجديد ، تحالفات........ )
فمتى ترانا نفهم بان اول الطريق الى الاصلاحات الحقيقية انما تبدأ عندما يتحول احدنا الى مواطن حقيقي فاعل وبان نخلع عن اكتافنا ثوب المواطن الخامل والمنتظر ، وان لا نكتفي بدور الشاهد لي ما شفش حاجة .